حقوق الطفل في الإسلام

الشيخ خالد غنايم - رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء
تبدأ حقوق الإنسان في الإسلام بحقوق الطفل، أي من نعومة أظفاره، هذه اللبنة لبناء واستقرار الأسرة، هذا لأنّ الأطفال هبة الله، وهم وديعة غالية لدى والديهم والإنسانية.
يقول الأستاذ عبد الله علوان:" إنّ الطفل هو هبة الرحمن، وهو وديعة غالية لدى الإنسان، وعليه يتوقّف تماسك الأمّة ورقيّها، فبقدر رعاية تلك اللبنة الأساسية في البنيان وحفظها من عوامل الهدم والضياع بقدر ما تحقّق الأمّة تطوّرها وعلوّ بنيانها (تربية الأولاد).
قال الله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا...}. فالأطفال وحبّهم من متاع الدنيا، وهم مطلب إنساني وفطري، فرغّبت الشريعة في طلب الولد للحفاظ على الجنس البشري، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "تزوّجوا الودود الولود، فإنّي مكاثر بكم الأمم" (رواه أبو داود /2050وصححه ابن حبان /4056).
لقد اهتم الإسلام بتماسك الأسرة، لأنّها هي حاضنة وراعية هذا الطفل من الضياع، لذلك حرص الإسلام كلّ الحرص على تنظيم الأسرة لأهمية هذه الأسرة بالنسبة للطفل، حيث هي التي تحميه وترعاه وتربيه، وقد طفحت آيات القرآن الكريم والسنّة المطهرة والفقه الإسلامي في بيان وتنظيم أحكام كل صغيرة وكبيرة متعلّقة بالأسرة، بدءا بالزواج والنفقات والميراث والوصية والديات وغيرها من حقوق والتزامات، تصل إلى خارج الأسرة الأبوية للحفاظ على الأطفال، وهذا ما ينشده ويريده كلّ من اهتمّ بحقوق الإنسان من منظّمات عالمية لرعاية الأطفال، ولكن نجد أنّ الأفكار المعاصرة الغربية تؤدّي إلى تفكيك الأسرة، حيث جعلت الروابط البيولوجية الفردية وحدها هي الرابط بين الأبوين والطفل، وتجاهلت الروابط الإنسانية والعاطفية والاجتماعية، والالتزامات والحقوق المتبادلة.
لذلك قامت الأمم المتحدة بإصدار ميثاق حقوق الطفل في سنة 1959 لسدّ الفجوة التي حدثت في العالم الغربي بين الآباء والأبناء.
بالرغم من محاولات المجتهدين في ميثاق حقوق الطفل العالمي، الصادر عن الأمم المتحدة، إلا أنّ الإسلام كان أكثر اهتماماً وأكثر دقّة ورعاية وتفصيلاً مما جاء في ميثاق حقوق الطفل، ويؤكّد ذلك ما جاء في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والكمّ الهائل من اهتمام علماء الأسلام في كتبهم، ما يؤكّد على أنّ حقوق الطفل ورعايته وحمايته في الإسلام لم تصل إليها الاتفاقيات الدولية الحديثة، والتي وضعت بعد ظهور الإسلام بأكثر من أربعة عشر قرناً.
ويظهر هذا من اهتمام الشريعة الإسلامية، في كل مرحلة من مراحل حياة الطفل، بل قبل ذلك، من اختيار الأب للأم، مروراً بمراحل الحمل والولادة، ثمّ التمييز فالبلوغ، حتى يصبح عضواً فعالاً في المجتمع، سنحاول بيان ذلك.
الحقّ الأول: حقّ الطفل في حسن اختيار الأبوين كل واحد منهما الآخر: تبدأ حقوق الطفل في الإسلام قبل أن يولد، حيث وجّه الإسلام كلّ من الوالدين كيف يختار كل واحد منهما الآخر، وذلك التوجيه السليم الذي هو سبب الاستقرار الأسري، لأنّه سوف ينعكس على الطفل، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" أخرجه البخاري (5091) ومسلم (1466)، هذا معيار لاختيار الزوجة.
فهذا الحديث يؤكّد على معيار التكافؤ والتديّن، كما أنّ الإسلام حثّ على معايير أخرى، منها خلوّ الزوجين من الأمراض المنفّرة أو المعدية أو الوراثية الخطيرة.
أمّا معيار اختيار الزوج هو الدين والخلق، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضوْن دينه وخُلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
إنّ اهتمام الإسلام لمبدأ الكفاءة بين الزوجين لأنّه عامل تحقيق التفاهم والمودّة والرضا، ممّا يحقّق الاستقرار بين الزوجين أي في الأسرة، مما يحقّق الاستقرار والعناية اللازمة للطفل، من خلال أبوين متفاهمين غير مختلفين متنافرين ممّا يؤدّي إلى ضياع هذا الطفل.
وقبل الكفاءة اهتمّ الإسلام برضى كلّ من الزوجين بعضهما ببعض، ومنع الزواج بالإكراه، وجعله باطلاً، لأنّ الإسلام يريد أسرة تقوم على دعائم المودّة والرحمة، قال تعالى: {وجعل بينكم مودّة ورحمة}، ممّا يحقّق مناخ السلام الاجتماعي في البيت، وذلك أعظم حقّ من حقوق الطفل، وهو ما تبنى عليه كلّ الحقوق لاحقاً.
ومن حقوقه أن يكون ابناً شرعياً، معروفا له والديه، وليس ابناً من سفاح أو زناً، لذلك حثّ الإسلام على التقاء الذكر والأنثى بالطريق الشرعي، وحرّم كلّ لقاء غير شرعي مهما يحاول تجّار النخاسة تسويقه في العالم المتحضّر، واعتبار جسد المرأة ملك لها حرّة التصرّف فيه، ممّا أنشأ عدداً هائلاً من الأطفال غير الشرعيين، مجهولي النسب بالملايين، ممّا دفع بكثير من النساء لإلقاء أطفالهن على قوارع الطرق والأماكن العامّة ليلتقطهم من وجدهم، ليعيشوا حياة التشرّد.
وهناك القصص الغريبة العجيبة مما تقشعّر منها الأبدان، ويشيب لها الولدان، ممّا دفع إلى إنشاء محاضن ودور رعاية لهؤلاء الأطفال، بعيداً عن دفء الأسرة ورعايتها.
وهذا ممّا سبّب حرجاً وعزلة لمثل هؤلاء الأطفال، ولو بحثنا في تاريخ المجرمين لوجدنا أنّ أكثر من 90% منهم أولاد غير شرعيين، أو لم يتربّوا بأسرة راعت شؤونهم وقامت على تربيتهم التربية السليمة، ولم تحمهم من كلّ تعقيد واضطراب، مما يحدث خللاً في تكوين شخصية الطفل في المستقبل.
لذلك وضع الإسلام كلّ تلك الموازين والضوابط للحفاظ على هذه الهدية والمنحة الربانية، هذه النسمة الرقيقة، للحفاظ عليها من الضياع، بل من أجل رعايتها لتكون عضوا اجتماعياً محبّاً فعالاً في بناء مجتمع مستقرّ.
This entry was posted on 12:42 ص and is filed under . You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0 feed. You can leave a response, or trackback from your own site.