رعاية الطفولة في الاسلام

لقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما برعاية الطفولة والأمومة في مراحلهاكلها اهتماما لا يدانيه ما تتحدث عنه منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والمنظمات الصحية العالمية .. ولا تبدأ رعاية الأبناء منذ لحظة الولادة ، بل تمتد هذه الرعاية منذ لحظة التفكير في الزواج .. فقد أمر صلى الله عليه وسلم باختيار الزوج و الزوجة الصالحين ، وقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما بسلامة النسل وبكيان الألسرة ، ليس فقط من الجانب الأخلاقي إنما ضم إليه الجوانب الوراثية الجسدية و النفسية .. تستمر هذه الرعاية والعناية في مرحلة الحمل وعند الولادة والرضاع ومراحل التربية والتنشئة التالية ..ومن مظاهر هذا الاهتمام " تحنيك المولود " بعض الأحاديث الواردة في التحنيــك : أخرج البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما( أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة .. قالت : خرجت وأنا متم ]‏ أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر ] فأتيت المدينة فنزلت قباء فولدت بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلمفوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكانأول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بالتمر ، ثم دعا له فبرَّك عليه ......) وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : ( ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة .. وزاد البخاري : " ودعا له بالبركة ودفعه إلي " )التفسير العلمــي إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثا يكون منخفضا وكلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر منخفضا ..وبالتالي فإن المواليد الخداج (( وزنهم أقل من 5,2 كجم )) يكونمنخفضا جدا بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجراملكل 100 ملليلتر من الدم ..وأما المواليد أكثر من 5,2 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكونعادة فوق 30 ملليجرام .. ويعتبر هذا المستوى ( 20 أو 30 ملليجرام ) هبوطا شديدا في مستوىسكر الدم ، ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية :1- أن يرفض المولود الرضاعة 2- ارتخاء العضلات 3- توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم 4- اختلاجات ونوبات من التشنج وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة ، وهي :1- تأخر في النمو 2- تخلف عقلي 3- الشلل الدماغي 4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما 5- نوبات صرع متكررة ( تشنجات ) وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة ، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذابا في الماءإما بالفم أو بواسطة الوريد .. المناقشـة : إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليدبالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرةبريقه الشريف فيه حكمة بالغة ...فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة وخاصةبعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي ، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات ، و بالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها .. وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهممباشرة فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن اللهمن مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها .. إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر" الجلوكوز " في دم المولود .. وإن المولود ، وخاصة إذا كان خداجا ، يحتاج دون ريب بعد ولادتهمباشرة إلى أن يعطى محلولا سكريا .. وقد دأبت مستشفيات الولادةوالأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولودبعد ولادته مباشرة ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه .. إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقا مهمة جدا في وقاية الأطفال ، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جدابسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم ..وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات .. كما أنها توضح إعجازا طبيا لم يكن معروفافي زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحتالحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين ..
مزايا وخصائص الشريعة الاسلامية
يتخبط عالم اليوم فى ازمات مادية لم يعرف لها مثيل فى التاريخ , حيث طغت الحياة المادية على سلوك البشر , وعجز النظامين العالميين الرأسمالى والماركسى عن حل مشكلات العالم الروحية والمادية , ولذلك اخذوا يبحثون بصورة جدية وعاجلة عن العلاج. وقد راى فريق منهم ان طغيان الحياة المادية على سلوك البشر هو مصدر الازمات كلها التى ابتلت بها البشرية , وقادت الناس الى نوع من الحيرة والضياع ويرون انه لابد من معالجة الناحية الروحية فى الانسان على اساس الايمان بالله. فالمذهب الماركسى عالج المشكلة الانسانية من ناحيتها المادية فقط وعلى اساس المصلحة الجماعية وبذلك اسقط كل اعتبار للروح وكل اعتبار لقيمة الفرد. كما ان النظام الرأسمالى عالج المشكلة على اساس مصلحة الفرد والمادية بينما النظام الاسلامى هو الذى حرص على الجمع بين المصلحتين الروحية والمادية الفردية والجماعية واصبح من الواجب اعادة النظر فى نظام حياة البشرية كلها وفق منظور اسلامى. ان الاسلام نظام شامل لجميع شئون الحياة , وسلوك الانسان , فهناك احكام العقيدة , كالايمان بالله , واليوم الاخر, واحكام الاخلاق كوجوب الصدق وحرمة الكذب , واحكام تتعلق بتنظيم علاقة الانسان بخالقه كالصلاة والصيام . واحكام تتعلق علاقات الافراد فيما بينهم , كالزواج والطلاق والميراث , ومعاملات البيع والتجارة والرهن , واحكام تتعلق بالقضاء , كالدعوى والشهادة والبينات , واحكام تتعلق بأصول ونظام الحكم وقواعد وكيفية اختيار رئيس الدولة , وشكل الحكومة , وعلاقات الافراد بها , وتنظيم علاقات الدولة الاسلامية بالدول الاخرى فى السلم والحرب . واحكام تتعلق بموارد الدولة الاسلامية , وتنظيم العلاقات المالية بين الافراد والدولة , وبين الاغنياء والفقراء . والشريعة الاسلامية فى شمولها تختلف مع جميع القوانين الوضعية , لانها من عند الله , فالاسلام ختم الشرائع السابقة ، والنبى محمد هو خاتم الانبياء والمرسلين , وشريعة الاسلام جاءت لعموم البشر , ولم تأت لطائفة معينة منهم , او لجنس خاص من اجناسهم . والاسلام ماقصد بتشريعه الاحكام للناس الا لحفظ مصالح الناس فى الدنيا والاخرة . هذه الشريعة فيها احكام عامة يمكن بسهولة ويسر تطبيقها فى كل مكان وزمان . وان هذه الشريعة لكونها من عند الله , فقد اتت كاملة خالية من النقص , وهذا بخلاف مايشرعه الانسان , وبالتالى فالشريعة فيها ارشادات ونصائح على درجات متفاوتة من العقاب والثواب فالشريعة الاسلامية تحمل فى طيات مبادئها وانظمتها واحكامها فكرة الجمع بين الاسلام ونظم الحياة حيث ان الاسلام يمتاز بالتوازن بين المادة والروح . وهذا من عظمة التشريع الاسلامى حيث انه لايباعد بين المادة والروح ولايفصل بين الدنيا والاخرة بل ينظر الى الحياة على انها وحدة متكاملة بين حق الانسان لربه وحقه لنفسه وحقه لغيره. وقد حض القران على هذا التوازن بين المادة والروح فى كثير من اياته التى تلامس المشاعر والوجدان قبل ان تخاطب عقل الانسان ) وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولاتنسى نصيبك فى الدنيا( )وان ليس للانسان الا ماسعى( هذه مادة عظيمة من مواد الدستور الالهى انها تضع وحدها قانونا كاملا وهى على ايجازها مشرقة البيان ظاهرة الاعجاز لايغمض فهمها على احد ، وهى من جوامع القران الكريم . لفظ قليل ومعان واحكام كثيرة ، وهى تجمع معانى الدين والدنيا لانها عماد قوانين الارض فى القديم والحديث. ومبدأ هذا القانون الالهى فى الدنيا المادة فكل علاقة مادية يمكن ردها الى هذه المادة الدستورية القرانية والسعى يتفاوت بتفاوت الناس . ويمتاز الاسلام بالربانية والعالمية والشمول والتوافق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ويمتاز بالهيمنة والخاتمية والخلود ويمتاز باليسر والبساطة والمعقولية. تلكم اهم المبادىء والاسس فى تبيان ان الاسلام دين ودولة وعقيدة ونظام وعبادة وسياسة ونظام حكم ومنهج حياة . والاسلام بهذه الخصائص وهاتيك المزايا يختلف كل الاختلاف عن طبيعة الديانة المسيحية وعن قدرتها على التطور وعن شمولها لمناهج الحياة. فالاسلام حرر العقل من الخرافات ودعى الى التوحيد الخالص وتنزيه الله من الشريك والشبيه والمماثلة وهذه المزية للشريعة لايمكن ان تلقاها فى دين من الاديان ولا فى نظام من الانظمة البشر. وستبقى الشريعة الاسلامية متجددة فى عطائها شاملة فى مبادئها خالدة فى اصالتها عالمية فى دعوتها الى ان يرث الله الارض ومن عليها.والاهمية الجديدة للاسلام نابعة من انه ديانة عالمية شاملة بدأ العالم والبشرية فى فهمها وادراك الاثر البالغ الذى لعبته , وتتهيأ للعبه مجددا فى تشكيل العالم . فقد ذكر الحقيقة زعيم الحزب الشيوعى زيغتنوف عندما الف كتابا , رفع فيه الشارة البيضاء , واوصى فيه بأن الشيوعية اصبحت نظرية غير فاعلة فى صراع الايدلوجيات الدولى , وبالمقابل اشاد بحركة التأصيل الاسلامية التى تجتاح العالم الاسلامى , وقد ذكر فى مجلة الصفوة الامريكية شؤون خارجية فى عددها الصادر فى مارس ابريل عام 1999 )على مشارف نهاية القرن العشرين اصبح من الواضح لنا ان النهج الاسلامى هو البديل الحقيقى لهيمنة الحضارة الغربية الاصولية , تفهم على انها العودة الى القيم الروحية القديمة , وهى تؤدى الى نتائج ايجابية بالعودة الى العلاقات الاخلاقية بين الناس مما يؤدى الى الحفاظ على اخلاقيات المجتمع( ونظرة زعيم الحزب الشيوعى للوضع الدولى جعلته ينظر بصورة خالية من الضبابية , مكنته من ادراك الدور المحورى الذى يتهيأ الاسلام للعبه على الساحة الدولية . فاضمحلال الحضارة الغربية قد لايكون واضحا للاشخاص الذين يعيشون فى العالم الاسلامى .ومن اهم مزايا وخصائص الشريعة الاسلامية وطبيعة نظامها ومبادئها تتمثل بالنقاط التالية.1- الربانية والوحدانية. ان الشريعة الاسلامية ليست من وضع بشر يحكمه القصور والعجز والتأثر بمؤثرات المكان والزمان والثقافة والحضارة انما هى شريعة ربانية توحيدية منزلة من السماء. فالانسان عاجز عن وضع التشريع لنفسه مهما بلغ درجة النضج والكمال والقدرة لانه ضعيف فى ذاته عاجز ان يصل الى مرتبة الكمال مهما نضج علمه وارتقت ثقافته وماعليه الا الانصياع لله سبحانه وحده. ومن اجل هذه الربانية لم يكن للمسلم خيار فى قبول هذه الشريعة او رفضها لان قبولها من مقتضيات الايمان ومستلزمات الاسلام ويقول اشهر المعاصرين ارنولد توينبى فى موسوعته دراسة التاريخ )ان الاسلام اكثر العقائد الدينية اتفاقا مع المنطق واشدها صرامة مع الايمان بمبدا الوحدانية الجليل واعظمها وضوحا فى ادراك الاستشراق الالهى( )ان من الواضح ان روح الاسلام لو طبق اليوم لاصبح القوة الكابحة ضد التمييز العنصرى واساس التسامح والسلام فى العالم( واعترف الاسقف لفردى فى كتابه الكنيسة والعالم )ان سر القوة الخارقة للعادة التى يظهرها الاسلام يرجع الى ادراك هذا الدين وجود الله بارادته العليا وسيادته المطلقة على الكون فوق انه كامن فى وحدانيته فهذا الايمان هو الذى منح المسلمين فى عصورهم الزاهية روح الانقياد والنظام وازدراء الموت الذى لم نعرفه فى اى نظام اخر .هذا بالاضافة الى ان العقيدة الاسلامية خالية من التعقيدات والتجريدات فهى من ثم فى متناول ادراك الشخص العادى انها تمتلك فعلا قوة عجيبة لاكتساب طريقها الى ضمائر الناس(2- عالمية الاسلام: ارسل الله نبيه محمد )ص( بالرسالة العامة الخالدة ففضله بذلك على باقى الانبياء والمرسلين ، اذ كانوا من قبل يبعثون الى جيل خاص من البشر ز )وما ارسلنك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا( سبأ 28 ومثل قوله سبحانه تعالى ) وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ( الانبياء 107 . وهذا المفهوم يتككر فى الكثير من ايات القرأن الكريم . ان عالمية الدعوة الاسلامية جزء من عقيدة كل مسلم فى العالم ، وهذا مما ادى الى انتقال مركز الثقل الثقافى فى العالم الاسلامى الى خارجه ، وهى ظاهرة لها سوابق مماثلة فى التاريخ الاسلامى ، وفى اعطاء عالمية الاسلام يحفل تاريخ الاسلام بأدوار كبيرة قام بها غير العرب فى الميدان الثقافى وبخاصة الثقافة الدينية على نحو يقطع بأن عالمية الاسلام تجاوزت الامة التى حملت لواء الدعوة فى العهد الاول . وكما ان الله سبحانه وتعالى اختار العرب لحمل الرسالة الخالدة ، اختار العربية لتكون لغة الكتاب المقدس )القرأن الكريم( . ويرت الشيخ الدكتور صبحى الصالح )ان الاسلام بذلك مهد لعالمية اللغة العربية اداة علم وحضارة ، فأنتشرت هذه اللغة بفضل المد الحضارى الاسلامى ، واتسعت رقعة حدودها بأتساع نفوذ القران الى الحد الذى يسعنا معه ان نقول : لولا القران لكانت العربية مجرد لهجة . ويؤكد على ان اللغة العربية محت لغات كثيرة فى الدول التى دخلها الاسلام .وفى الغرب الحالى تبلور مفهوم جديد لعالمية الاسلام ، انطلاقا من الارتباط بين اللغة العربية للاسلام ، والحظور للغة الانكليزية للاسلام . ويطرح المفكر الاسلامى الالمانى الدكتور مراد هوفمان فى كتابه )الاسلام فى الالفية الثالثة ، ديانة فى صعود( فكرة هى ان اللغة الانكليزية تؤدى دورا جديدا لتوضيح مفهوم الاسلام ودوره العالمى ، مؤكدا ان للاسلام الان لغتين رئيسيتين العربية والانجليزية . ان طرح مراد هوفمان فكرته هذه لها صدى واسع فى الغرب على الاسلام ، الا انه يرى ان محتوى الخطاب الاسلامى المعاصر يفتقر الى ادراك عالمية الاسلام ، فألانجاز الفكرى والفقهى الاسلامى كان ومازال ضعيفا فيما يخص الدائرة الانسانية والعالمية . ان الاسلام دين للعالمين ولابد ان يكون هناك خطاب عالمى انسانى . فى الغرب الان هناك ارتفاع حاد فى تأليف الكتب عن الاسلام باللانجيليزية ، فقد ذكرت كلية سانت بربارا )قسم الفلسفة( ارتفاع مستوى التأليف بشكل كبير . وبلغ عدد الكتب المؤلفة باللغة الانجليزية خلال الثلاثة عشر عاما بعد عام 1990 حوالى 1235 كتابا ، وزعت على جميع مناحى الحياة الاسلامية فى 11 موضوعا شمل دراسات عن الرسول محمد )ص( والقران الكريم والمذاهب الاسلامية والفقه والفلسفة والتشريع والفن والتاريخ والثقافة والاقتصاد والسياسة . وكان واضحا ان ارتفاعا كبيرا حدث فى مستوى التأليف منذ عام 1989 ، حيث بدأ التأليف فى التصاعد المستمر حتى وصل بشكل ملخوظ الى 139 كتابا عام 2000 . وجاء فى مذكرة لوكالة الانباء الاسلامية فى كتابهم السنوى نسبة انتشار الاسلام الى 235 بالمئة منذ عام 1990 ، ومع ان الكتب غطت جوانب الاسلام ، الا ان الملاحظ ان اهتماما اكثر بالاسلام السياسى بدأ يظهر منذ العام 2001 ، فمن 137 كتابا صدرت عام 2002 هناك مايزيد على 100 منها تناول الظاهرة السياسية من منظور اسلامى . فأن اكثر المستشرقين والمفكرين الغربيين يركزون فى تأليفهم عن )الاسلام السياسى( فمثلا فى عام 2003 لم يصدر اى كتاب عن الدراسات القرأنية .لقد جاءت هذه الشريعة الاسلامية لكل الامم ولم يراع فيها احوال امة من الامم وبينة من البينات ، من اجل هذا جعل الله هذه الشريعة مبنية على اعتبار الحكم والعلل التى هى من مدركات العقول لاتختلف بأختلاف الامم. والشريعة الاسلامية قابلة بأصولها للانطباق على مختلف الاحوال بحيث تساير احكامها مختلف الاحوال دون مشقة وحرج. والامم قابلة للتشكيل على مقتضى الاحكام الشرعية دون حرج ولا مشقة فقد غير الاسلام بعض احوال العرب والفرس والقبط والبربر والروم والتتار والهنود من غير ان يجدوا حرجا ولا عسرا فى الاقلاع عن عاداتهم وقيمهم واحوالهم السابقة. وهذه الشريعة فى كل احكامها ومبادئها ذات صبغة عالمية وهى منهج للبشرية عامة فليست تشريعا لشعب معين من الشعوب ويقول برنارد شو)ان الاسلام دين يستحق كل الاحترام والاجلال لانه اقوى دين على هضم جميع المدنيات وهو خالد خلود الابد وانى ارى كثيرا من بنى قومى العلماء قد دخلوا هذا الدين على بينه من امرهم ومستقبلا سيجد هذا الدين مجال له فسيح فى كل انحاء اوروبا( ويستمر قائلا )وقد برهن الاسلام منذ ساعاته الاولى على انه دين الاجناس جميعا اذ ضم سلمان الفارسى وبلال الحبشى وصهيبا الرومى كما ضم مجموعات من النصارى واليهود وعبدة الاوثان وانصهر الجميع فى بوتقة واحدة دون فروق على الاطلاق ولم يحس اى منهم انه غريب عن هذا الدين وبعد فترة اتصل هذا الدين باجناس متعددة بينها الاسود والابيض وكانوا جميعا فى رحابه متساويين سعداء( ويقول المؤرخ كوستاف لوبون )ان القران لم ينتشر الا بالاقناع لابالقوة فاستطاع بذلك ان يجذب اليه الشعوب وتدين به تلك الشعوب( عندما تشكلت الدولة الاسلامية الاولى فوق ارض الجزيرة العربية لم تمثل ثورة محلية محصورة ضمن جزيرة العرب وانما كانت ثورة عالمية ورسالة لكل الشعوب حيث حمل العرب رسالة الاسلام وذابوا فى عالميته وانتشر الاسلام ودخلت كثيرا من الشعوب فى عقيدة الاسلام وتعاليمه وشريعته فقد طرحوا المساواة والعدل والاخوة مع الشعوب الاخرى التى دخلت فى دين الاسلام وهذه السمة الاسلامية هى التى سمحت للعرب كعرب ان ان يصبحوا شعبا كبيرا منفتحا فالاسلام لم يجعل العرب شعبا او جنسا مغلقا ولم يجعل ارضهم محدودة بل اصبحت دولة الاسلام دولة عالمية وتضم عددا كبيرا من الشعوب والاجناس واللغات وقد دخل اغلبها فى الاسلام واصبح يعتبر نفسه جزءا من امة اسلامية واحدة تتمسك بالاية الكريمة )ان اكرمكم عند الله اتقاكم( وبالحديث الشريف الذى لايجعل فرقا لعربى على اعجمى ولاابيض على اسود الا بالتقوى. فالاسلام اراد من تلك الشعوب التى دخلت الاسلام ان تصبح جزءا من الامة الاسلامية لامن الامة العربية كما اراد الاسلام من العرب ان يبنوا دولة الاسلام لا ان يبنوا دولتهم العربية على نمط الدولة الرومانية او الدولة الساسانية . وهكذا فان الاسلام بنى حضارته على اساس محور مركزى هو عقيدة التوحيد وهى العقيدة المنزلة من السماء التى لم تأت نتاج خصوصية معينة لحضارة ما او شعب ما. والشريعة الاسلامية تقوم على ركيزتين اولهما الفطرة الانسانية وهى من الثوابت فى النفس الانسانية والحياة الانسانية وهى مشتركة فى البشر جميعا لانها الفطرة التى فطر الله الانسان عليها والاخرى فهى التى تتعلق على مايطرأ على الفطرة منحدوث واشكال ونوازع ودوافع وغرائز ومن هنا جاءت الشريعة الاسلامية على عامل مشترك فى البشر من حيث الفطرة الاولى والطبيعة الانسانية وجعل عقيدة التوحيد الاستجابة الاولى والاساسية للفطرة ثم ماحملته تلك الشريعة من توحيد يقيم توازنا دقيقا بين مختلف الغرائز والدوافع وعوارض الحياة حيث اصبحت قادرة على اعادة التوازن السليم كلما حدث اختلال . فهناك العدل لرفع الظلم والحق لدفع هدر الحقوق وهنالك الشرع لتحقيق التوحيد ولهذا فان الشريعة الاسلامية عالمية مختلفة عن باقى النظم التى كانت سائدة فى عصر الاسلام الاول والتى كانت تقوم لفرض حضارة شعب على الشعوب الاخرى او تحقيق سيطرة لشعب على الشعوب الاخرى. وهو يختلف عن الحضارات المنعزلة الخاملة التى حققت مداها فى مكان وزمان محددين ولو تعد قادرة على التجدد والعطاء والاستمرار والبقاء والشريعة الاسلامية فى احكامها تكون صالحة وموحدة للامة الاسلامية التى تكونت من الشعوب التى دخلت فى الاسلام دون تزول خصوصيات هذا الشعب او ذاك ودون ان يكون التوحيد قائما على التمييز العنصرى او التفوق المادى او الاستغلال الاقتصادى ويقول الاستاذ برج بهذا الصدد )ان ليس هناك مجتمع اخر سجل له التاريخ من النجاح كما سجل للاسلام فى توحيد الاجناس البشرية المختلفة مع التسوية بينهم فى المكانة والعمل وتهيئة الغرض للنجاح فى هذه الحياة( ويقول ماسينيون )وللاسلام ماض بديع من تعاون الشعوب وتفاهمها وليس من مجتمع اخر له مثل الاسلام ماض كله التوفيق فى جمع كلمة مثل هذه الشعوب الكثيرة المتباينة على بساط المساوة فى الحقوق والواجبات( ولاوجود ولا مكان لكل من يرد على مقولة عالمية الاسلام وشريعته بحجة ان لكل شعب له تراثه وعاداته واخلاقه وفقه يتضمن اغلاق الباب فى وجه الدعوة الاسلامية لتنتشر بين الشعوب الاخرى مادام كل شعب سينكفىء على حضارته ينميها وينمو من داخلها. ان الفرق الحاسم المميز للاسلام عن غيره انه لايحمل دعوته ليفرض عقيدته على الشعوب الاخرى ، فهو لايكره احدا على دخول دينه حتى لو كان سيفه مشهرا . فالاسلام يملك منفذا الى العالمية غير القهر والسطوة والقوة الظالمة ، لان قوته وخصوصيته تنبع من انسجامه مع فطرة الانسان المتجهة نحو التوحيد والتوازن والعدل. ولهذا فان عودة كل شعب وكل انسان الى البحث عن نفسه مفتربا من فطرته ، عودته فى البحث عن تراثه وتاريخه على كل ماهو خير وايجابى يشكل بالنسبة الى الاسلام الارض الاكثر خصوبة لالقاء بذوره ، فالاسلام يريد لعالميته ان تستعيد مكانها تحت الشمس ، ولايريد ان يدفع الشعوب الاخرى ان تاخذ بهما قسرا او قهرا ، كما فعلت وتفعل حضارة الغرب لان الاسلام بالنسبة للعرب والشعوب الاسلامية الاخرى منسجما مع سنة العودة الى الفطرة والنفس والتراث والتاريخ والمسار التاريخى وهو مشروعا عالميا موجها للانسان من حيث هو انسان ولكل الشعوب بلا استثناء. وقد شاءت المقادير من خلال التجارب العالمية الراهنة ان تتكشف الحقيقة للبشرية جميعا فى حاجة العالم للاسلام وحضارته واخلاقة بعد ان اصبحت هذه الحضارة الغربية مدمرة وقاتلة للشعوب ومعرضة للانسانية الى خطر الابادة الجماعية والفناء التام ومعرضا انسان الحضارة الغربية الى الوان الانحراف عن الفطرة الاصلية ومعرضا للشعوب الاخرى من العالم الى عبودية دائمة. فالبشرية الان فى حاجة ماسة للاسلام وشريعته ولكن ماهو الحل؟ وكيف سيكون؟ فهذا يتطلب تقديم اجابات سليمة ومناسبة لما يعترض المسلمين من تحديات ولما يعترض الانسانية من تحديات وان المصاعب والتعقيدات التى تمر على الامة الاسلامية فى الوقت الحاضر زادت فى كثير من النواحى عما واجه الاسلام فى العصور الماضية جميعا . وقد قال ارثر هاملتون )لو توخى الناس الحق لعلموا ان الدين الاسلامى هو الحل الوحيد لمشاكل الاشتراكية فهو الذى يتسع للغنى والفقير والقى والضعيف جنبا الى جنب ( ويقول السير توماس ارنولد من خيرة كتاب الغرب ومفكريهم )ان انتشار الاسلام فى العالمين يرجع الى طبيعة الاسلام نفسه ونسيجه الفطرى الساحر وقدرته على الاقناع والاخذ بالالباب ولكنه يحتاج الى دعاة ويوم يجد هؤلاء الدعاة سيتمكن الاسلام من غزو الشعوب مرة اخرى( ان الامة الاسلامية تمر بمرحلة صعبة فى عدة نواحى انها اصعب من المراحل السابقة من حروب صليبية وغزو ارض المسلمين . ان الصراع العالمى فى هذه المرحلة اشد ضراوة واكثر شمولا ويحتوى على تعقيد اكبر واذا كانت العصور السابقة تطلب رجالا اشداء مستعدين للتضحية والصدام فهه المرحلة تتطلب مثل هؤلاء الرجال ولكن يجب ان يكونوا ايضا قادرين على تحقيق نهضة اسلامية قائمة على الشريعة الاسلامية مع وضع استراتيجية للتنمية ونقل العلوم والتقنية حتى يمكن تحقيق نهضة شاملة للامة ولاسيما فى مسائل التصنيع وتحويل العلوم والتكنولوجيا من البلدان المتقدمة اليها. وقال الكاتب الانجليزى هيلير بلوك )لايساورنى ادنى شك فى ان الحضارة التى ترتبط اجزاؤها برباط متين وتتماسك اطرافها تماسكا قويا وتحمل فى طياتها عقيدة مثل الاسلام لاينتظرها مستقبل باهر فحسب بل ستكون خطرا على اعدائها ومن الممكن ان يعارض الانسان هذا الراى بان الاسلام فقد سيطرته على تلك الاشياء المادية خصوصا فيما يتصل بالحرب فهو لم يلحق بالتقدم التكنولوجى الحديث ولااستطيع ان ادرك لماذا لم يعوض الشرق الاسلامى مافاته فى هذا الميدان ؟ اذ لاتحتاج علوم الهندسة الحديثة الى طبيعة خاصة بها بل يتطلب الالمام بها والتفوق فيها الى الخبرة وتوجيه الخبراء لماذا لايتعلم العالم الاسلامى ماتعلمناه فى مجال التكنولوجيا وهو امر ميسور وفى مقابل ذلك سوف يكون من الصعب علينا استعادة التعاليم الروحية وهى من العوامل الاساسية للحضارة وقد فقدتها المسيحية بينما لم يزل الاسلام يحافظ عليها(3- التوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع : الشريعة الاسلامية لاتباعد بين المادة والروح ولاتفصل بين الدنيا والاخرة والشريعة ليست غايتها تحقيق المصلحة المادية مع اهمال الناحية الخلقية والروحية ، وبما ان الاسلام هو دين الفطرة الانسانية والتوازن والوسطية والاعتدال ، فقد جاءت الشريعة مخاطبة فطرة الانسان . والفطرة وصف مشترك بين سائر البشر ، مستقرة فى نفوسهم وراضية عنها عقولهم ، لانها تخاطب الانسان من وراء الظروف والبيئات والازمنة. فقد وضعت الشريعة وحدة متكاملة بين حق الانسان لربه وحقه لنفسه ، بحيث لايقر للانسان ان ينهمك كليا فى الحياة المادية ، وينسى ربه والدارة الاخرة ، بل يهيب به ان يعطى حق الله وحق نفسه وحق الناس ، دون ان يغلب حقا على حق . وقد قال الله تعالى فى القران ) ابتغاء الدار الاخرة مع الاخذ بحظوظ الدنيا ( )وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولاتنسى نصيبك فى الدنيا( وفى الشريعة الاسلامية وجود التناسق والتناغم والانسجام بين حياة الفرد وحياة الجماعة ، ويؤكد وجود الكيان الشخصى للفرد ، ويعتبره مسؤولا امام الله وامام نفسه وامام المجتمع. ان المسؤولية كمظهر من مظاهر الكرامة الانسانية لها اخلاقيتها ، وهى معنى من معانى العالم الاخر ، فمسؤولية الانسان على الارض تجاه غيره من الناس لاوجود لها على الحقيقة ، الا باعتبارها مسؤولية الانسان امام الله. وجميع القوانين الوضعية الحالية فى هذا العالم ليست سوى محاولة شاحبة لتقليد المحكمة الالهية والعدالة الالهية. ان الاسلام بتشريعه المتكامل يقرر حقوق الفرد ، كما يقرر حقوق الجماعة ، ويقيم نوعا من التناسق والتوازن والانسجام بين كل منهما ، ويحدد الحدود المناسبة لهما ، ويجعل الارتباط وثيقا متينا بينهما. وفى حال التعارض والتصادم وعدم التوافق ، فالاسلام يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد. وقد قال دوكلاس ارثر )لو احسن عرض الاسلام على الناس لامكن به حل كافة المشكلات ولامكنه تلبية الحاجات الاجتماعية ، والروحية والسياسية للذين يعيشون فى ظل الراسمالية والشيوعية على السواء . فقد فشل هذان النظامان فى حل مشكلات الانسان . اما الاسلام فسوف يقدم السلام للاشقياء والامل والهدى للحيارى والضالين ، وهكذا فالاسلام لديه اعظم الامكانيات لتحدى هذا العالم ، وتعبئة طاقات الانسان لتحقيق اعلى مستوى من الانتاج والكفاية( لقد كان الاسلام مهيا لان يصبح الدين الاقوى فى روسيا ، الا ان القانون الروسى كان يحرم اعتناق غير الديانة الارثودكسية فى روسيا ، ومن ثم توقف الاسلام عن التقدم ، الى ان صدر مرسوم التسامح الدينى عام 1905 وترتب على ذلك ان دخلت جموع كثيرة فى الاسلام بين طوائف الابخاز ، الذين كانوا يدينون بالمسيحية واصبحوا مسلمين بجمهرة كبيرة بلغ ضخامتها ان رجال الكنيسة قد اخذهم الخوف كل ماخذ ، وجندوا انفسهم لمحاربة الاسلام الى ان جاءت الشيوعية. 4- يتميز الاسلام بالبساطة والمعقولية: )يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر( )وما جعل عليكم فى الدين من حرج( )لايكلف الله نفسا الا وسعها( كل هذه الايات تبين لنا اليسر والبساطة التى ارادها الله لنا وان الله لايكلف الانسان فوق طاقته ولايحمله من المسؤوليات والطاقات فوق طاقته واستعداده بل نجد كل هذه التكاليف والمسؤوليات تدخل فى حيز الامكان البشرى والطاقة الانسانية لكى لايكون للانسان عذر او حجة فى التخلى عن امر شرعى . وتمتاز الشريعة بالبساطة والمعقولية لان مبادئها واضحة بسيطة مفهومة يعقلها كل انسان بسيط وله ثقافة عامة ومن بساطة الشريعة انها امرت الانسان ان يفكر ويقدر ويتأمل ليصل الى حقيقة الايمان بالله خالق الكون ووحدانيته المتفردة وقدرته المطلقة. ومن بساطتها ومعقوليتها انه جعلت الصلة بين الله وعباده قائمة على الاعتقاد ان الله هو رب كل شىء وهو القاهر فوق عباده وهو يجيب المضطر اذا دعاه . ومن بساطتها ومعقوليتها انها تقبل التوبة من كل من يطرق باب الله تائبا توبة نصوح بدون واسطة مخلوق لانه لاتوجد وساطة بين الله وعباده وقد ربطت الشريعة الاسلاميةالايمان بالله بالعمل الصالح . وتقول الرسامة الامريكية اليس روبرت ان سبب اسلامها يعود )عندما قرات الترجمة الانكليزية لمعانى القران تأثرت جدا بقوله )واذا سألك عبادى عنى فاننى قريب اجيب دعوة الداع اذا دعانى ( فأعجبنى جدا تلك العلاقة المباشرة بين العبد وربه دون تدخل من اى احد ( اما الاستاذ ابراهيم خليل الذى كان قسيسا راعيا لكنيسة باقور الانجيلية باسيوط واستاذ بكلية العقائد اللاهوتية يقول فى كتابه )لماذا اسلمت( يكفى للاسلام فخرا ان مخفرة الله للانسان لاتتوقف على وسيلة من الوسائل مهما عظمت وانما تتوقف رحمته ومغفرته على توبة الانسان توبة صادقة(. وفى الشريعة الاسلامية خلو من الشكليات والطقوس فى وقت كان يتسم فيه القانون بهذه السمة كالقانون الرومانى او الشريعة اليهودية.5- الشريعة الاسلامية مكملة وخاتمة للاديان الاخرى: وتمتاز هذه الشريعة الغراء بكونها مكملة للشرائع السابقة اليهودية والمسيحية ومهيمنة عليها وخاتمة لها لانها جمعت فى طياتها دعوات الانبياء والرسل السابقين وزادت عليها بالتشريع الكامل الابدى )ِشرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذى اوحينا اليك وماوصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه( ومما يؤكد هذه الهيمنة قوله تعالى )وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه( وبهذا الصدد قالت ديبوار بوتيه التى ولدت عام 1954 بمدينة ترافيزا فى ولاية متشيجان الامريكية وتخرجت فى فرع الصحافة بجامعة ميتشيجان واعتنقت الاسلام عام 1980 بعد اقتناع عميق بالاسلام وبأنه ليس ثمة دين غيره يمكن ان يستجيب لمطالب الانسان قالت )عندما اكملت القران الكريم غمرنى شعور بان هذا هو الحق الذى يشمل على الاجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها وانه يقدم لنا الاحداث بطريقة منطقية لم نجدها فى غيره من الكتب الدينية الا متناقضة مع بعضها البعض اما القران فيتحدث عنها فى نسق رائع واسلوب قاطع لايدع مجالا للشك بان هذه هى الحقيقة وان هذا كلام من عند الله لامحالة ولقد تبين لى ان المضمون الالهى للقران هو المسؤول عن النهوض الانسانى وهدايته التى تطبق على كل عصر ولقد دهشت واعترانى العجب كيف استطاع محمد الرجل الامى الذى نشأ فى بيئة جاهلية ان يعرف معجزات الكون التى وصفها القران الكريم والتى لايزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها لابد اذن ان يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل( عبر القرأن عن العقيدة بالايمان وعن الشريعة بالعمل الصالح . العقيدة هى الجانب النظرى الذى يطلب الايمان به اولا ، وفبل كل شىء ايمانا لايرقى اليه شك ولاتؤثر فيه شبهة ، وبما ان الايمان هو العقيدة ، فأن الايمان ليس مجرد عمل لسانى ، انه عمل يخرج من عمق النفس ووجدان المؤمن ، تنكشف به حقائق الوجود عن طريق الادراك والوعى الجازم الذى لايزلزله شك ولاشبهة )انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا( الحجرات 15 . فالعقيدة الاسلامية هى الايمان بالله واليوم الاخرة والملائكة والنبيين ، والملاحظ ان العقيدة الاسلامية عقيدة واضحة بسيطة عقيدة الفطرة . ونحن المسلمون نقول ايضا ان الانسان المعاصر اليوم بأمس الحاجة الى عقيدة واضحة والى يقين دينى يعيد اليه وحدته الضائعة وسعادته المفقودة وامنه المسلوب ولاشك ان القناعة المبنية على الحقائق العلمية هى اليوم اكثر القناعات فاعلية للتحقيق من هذا اليقين.6- تتميز الشريعة بالاصالة والخلود : وهى الشريعة الخالدة والباقية فى نصوصها الى الابد دون ان يتطرق اليها تحريف او تبديل او تغيير ولقد شهد لخلود القران والشريعة رجال الغرب ومفكريه وعلمائه ومن هؤلاء البرفيسور رينولد نيكلسون فى كتابه التاريخ الادبى للعرب )القران الكريم وثيقة انسانية رائعة توضح بدقة سر تصرفات محمد فى جميع احداث حياته وحتى اننا لنجد فيه مادة فريدة لاتقبل الشك او الجدل نستطيع خلالها ان نتتبع سير الاسلام منذ نشأته وظهوره فى التاريخ المبكر وهذا مالانجد له مثيلا فى البوذية او المسيحية او اى دين من الاديان القديمة( ويقول اللورد هيدلى Lord Headly )اننى اعتقد ان هناك الافا عديدة من الرجال والناس مسلمون لان الطبيعة السليمة هى الاسلام ولان الدراسة العاقلة تقود للاسلام ولكن كثيرين من هؤلاء لايعلنون اسلامهم مراعاة للعرف او تحاشيا للنقد(7- الشمول والتطور والتجدد: ان الشريعة الاسلامية الغراء اشتملت على نظم واحكام وقوانين فيما يتعلق بالعقائد والعبادات والاخلاق او مايتعلق بالقوانين العامة من مسائل مدنية واحوال شخصية ونظم اجتماعية وعلاقات دولية وفيما يتعلق بأسس الحكم وقواعد الاقتصاد ومما يدل على شمول الشريعة لكل انظمة الحياة قوله تعالى)ومافرطنا فى الكتاب من شىء( واذا كان كمال الشريعة مقررا لاشك فيه فان الواجب على اتباع هذه الشريعة المباركة ان يبذلوا جهودهم لا لمعارضة الشريعة وتكذيبها بل لتبين وجه كمالها هذا الكمال الذى يجعلها تسع الحياة الانسانية فى تطورها وتغيرها على الرغم من محدودية نصوصها وثباتها. والسر فى سعة الشريعة الاسلامية وكمالها ان نصوصها مرنة مصاغة صياغة بديعة تجعلها تسع الحياة وهذا لون من الوان الاعجاز الذى امتاز به القران الكريم ويقول سيد قطب فى كتابه فى ظلال القران) وفصل فى هذه الرسالة شريعة تتناول حياة الانسان من جميع اطرافها وفى كل جوانب نشاطها وتضع لها المبادىء الكلية والقواعد الاساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الومان والمكان وتضع لها الاحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لايتطور ولايتحور بتغير الزمان والمكان. وكذلك كانت الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ماتحتاج اليه حياة الانسان منذ تلك الرسالة الى اخر الزمان. ومن ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات لكى تستمر وتنمو وتتطور وتتجدد حول هذا المحور وداخل هذا الاطار( . وقد قال الدكتور ساتيلانا فى هذا الصدد )ان الفقة الاسلامى مايكفى المسلمين من تشريعهم ان لم نقل مايكفى الانسانية كلها( ويقول الدكتور هوكنج استاذ الفلسفة فى جامعة هارفاد )ان فى نظام الاسلام استعدادا داخليا للنمو وانى اشعر بانى على حق حين اقرر ان الشريعة الاسلامية تحتوى بوفرة على جميع المبادىء اللازمة للنهوض( ويقول رجل القانون فمبرى )ان فقه الاسلام واسع الى درجة اننى اعجب كل العجب كلما فكرت فى انكم لم تستنبطوا منه الانظمة والاحكام الموافقة لزمانكم وبلادكم ( ويقول الاستاذ جب )ان الاسلام ليس دينا بالمعنى المجرد الخالص الذى نفهمه اليوم من هذه الكلمة بل هو مجتمع بالغ تمام الكمال يقوم على اساس دينى ويشمل كل مظاهر الحياة الانسانية( ويقول جيبون )الدستور الاسلامى دستور شامل موحد بين الجميع من الراس المتوج الى ابسط الاشخاص لانه يقوم على حكمة انتجها اوسع العقول معرفة وعلما بهذه الحياة( ، وهذه الشريعة الاسلامية بمبادئها العامة تفى بحاجات الزمن المتطور ، وتواكب حضارات العصور المتقلبة ، وخاصة حول المسائل القضائية. ان القران الكريم بحد ذاته هو القانون السماوى المنظم لحياة البشرية ، اما القوانين الوضعية وان كانت قوانين انسانية ، الا انها من صنع البشر ويقع فيها الخطأ والصواب ، لانها مغموسة فى العالم الدنيوى ، وموجه كلية نحو هذا العالم ، ولكنها فى الوقت نفسه ينطوى على معايير اخلاقية ، ويهدف الى اقامة مبدا العدل فى العالم ، وهو مبدأ اخلاقى يعنى شيئا ليس من هذا العالم. وبهذا المعنى يكون القانون وحدة ثنائية القطب ، شأنه فى هذا شأن الاسلام والانسان. ففى الاسلام نجد نوعا من وحدة الهوية بين القانون والدين ونرى غالبية رجال الدين الكبار فى الاسلام ، من علماء ومجتهدين ، قد الفوا كتبا فى الفقه واصوله ، وانه ليصعب على الغربيين ان يميزوا بين القانون والدين فى هذه المؤلفات . كما ان الاسلام لايعترف بهذا الانفصال ، بمعنى ان القانون انما هو نتاج طبيعى للاسلام. كتب الفريد كريمر Alfred Kramer يقول )ان العرب المسلمون هم الامة الوحيدة خلال القرن الوسطى الاولى التى فى تطويرها للقانون ، استطاعات ان تحقق انجازات باهرة هذه الانجازات ، تقف بعظمتها مباشرة مع الاعمال التى حققها الرومان صناع القانون فى العالم( وفى سنة 1950 عقدت شعبة الحقوق الشرقية من المجمع الدولى للحقوق المقارنة مؤتمرا للبحث فى الفقه الاسلامى فى كلية الحقوق بجامعة باريس ، تحت اسم )اسبوع الفقه الاسلامى( ، ودارت المحاضرات حول موضوعات فقهية كثيرة ، وفى خلال بعض المناقشات وقف احد الاعضاء ، وهو نقيب سابق للمحامين فى باريس فقال )انا لااعرف كيف اوفق بين ماكان يحكى لنا عن جمود الفقه الاسلامى ، وعدم صلوحه اساسا تشريعيا يفى بحاجات المجتمع العصرى المتطور ، وبين مانسمعه الان فى المحاضرات ومناقشتها ، مما يثبت خلاف ذلك تماما ببراهين النصوص والمبادىء( وهناك كثير من مفكرى الغرب المنصفين تكلموا عن التشريع الاسلامى ، معترفين بفضل الشريعة وصلاحيتها وسبقها وتفوقها . ويقول الدكتور ايزكو انساباتو )ان الشريعة الاسلامية تفوق فى كثير من بحوثها الشرائع الاوروبية ، بل هى التى تعطى للعالم ارسخ الشرائع ثباتا( ويقول العلامة شبرل عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا ، فى مؤتمر الحقوق عام 1927 )ان البشرية لتفتخر بأنتساب رجل كمحمد اليها ، اذ رغم اميته استطاع قبل بضعة عشر قرنا ان يأتى بتشريع سنكون نحن الاوروبين اسعد مانكون له وصلنا الى قمته بعد الفى سنة( ويقول المؤرخ الانجليزى ويلز فى كتابه ملامح تاريخ الانسانية )ان اوروبة مدينة للاسلام بالجانب الاكبر من قوانينها الادارية والتجارية ( اما المؤرخ سيديو فيؤكد )ان قانون نابليون منقول عن كتاب فقهى فى مذهب الامام مالك هو شرح الدردير على متن خليل( ويقول ادموند يورك الخطيب السياسى الانجليزى )ان القانون المحمدى قانون ضابط للجميع من الملك الى اقل رعاياه وهذا قانون نسج باحكام نظام حقوقى وشريعة الاسلام هى اعظم تشريع عادل لم يسبق قط للعالم ايجاد نظام مثله ولايمكن فيما بعد ( وقال القانونى الكبير فمبرى )ان فقه الاسلام واسع الى درجة اننى اعجب كل العجب كلما فكرت فى انكم لم تستنبطوا منه الانظمة والاحكام الموافقة لزمانكم وبلادكم( وقد اثبت هوجو جروتيوس Hugo Grotius ان القانون معتمد على الاخلاق والدين ومستقل عنهما فى الوقت نفسه وبسبب هذه الثنائية جاء بعض الكتاب المتأخرين امثال فيرنر واهرنز فحاولا اثبات ان التفريق بين القانون والاخلاق كان انجازا عظيما حققه جروتيوس بينما ذهب اخرون مثل كرشمان الى اثبات العكس . ومهما يكن الامر فان جروتيوس باعلانه ان الله هو المصدر الاعلى للقانون اكد اعتقاده بالصلة الطبيعية بين القانون والدين .. والشريعة الاسلامية ركزت على الاخلاق فى تعاملات الانسان مع الاخرين ومع المجتمع. وسنطرح السؤال التالى. هل الشريعة الاسلامية كلها قابلة للتجدد والتطور والسير قدما الى الامام ؟ ام هى قاصرة عن استيعاب الحياة المتغيرة المتجددة للاجابة على هذا السؤال يجدر بنا ان نقسم الاحكام التشريعية الى ثلاثة اقسام.1- مسائل تشريعية ثابتة: وهى المسائل الغير قابلة للتجدد والتطور والاضافة والقائمة على نصوص قطعية لامجال للاجتهاد فيها كمسائل العقيدة واركان الايمان واحكام العبادات. فهذه النصوص الثابتة لاتخضع للاجتهاد فى تغيرها او تعديلها وتبديلها لانها اوامر الهية ثابتة وكل من يحاول ان يبدل فيها او يجتهد فى تطويرها يكون هادما للشريعة ومخالفا لاوامر الله ورسوله وبناء على هذا يقول علماء الاصول )لامجال للاجتهاد فى امور النص( وهذه الاحكام الجزئية التى نصت عليها الشريعة هى الاحكام التى لاتتغير بتغير الزمان والمكان كأحكام العبادلت والزواج والميراث.2- مسائل تشريعية قابلة للتجدد والتطور:لقد امر الله المسلمين بالاحكام الى شريعة الله فى جميع امور حياتهم لافرق فى ذلك بين الشعائر التعبدية والشرائع القانونية التى يلتزم بها الناس فى شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية والنزول على حكم الله وشريعته والالتزام به . وشريعة الله هى القران الكريم والسنة النبوية. وبأنتقال النبى الى ربه انتهى الوحى وانتهى عصر التشريع الالهى فلا وحى بعد النبى ولاعصمة لاحد من بعده لان العصمة ترتبط بنزول الوحى من الله وقد انتهى بأنتهاء النبوة. ولكن التصرفات والمعاملات بين الناس غير متناهية ولا محدودة وتتغير من عصر الى اخر لهذا فأن ماكان شأنه الثبات والدوام والاستمرار لم يترك لاجتهاد المسلمين كالعبادات وشؤون الاسرة من زواج وطلاق وميراث. اما ماكان شأنه التغير حسب ظروف الزمان والمكان فلم تفصله نصوص الكتاب والسنة وترك الله جزئيات ذلك الى اولى الامر المجتهدين من المسلمين يقتبسون الاحكام المناسبة من خلال ماجاء به القران الكريم والسنة النبوية وذلك كما فى نظم الحكم والادارة والمالية والمعاملات المستجدة وقال الله تعالى)واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( ان ماتركه الله للناس من هذه الشؤون انما يتم الاجتهاد فيه برد ذلك الى الامور الكلية والقواعد العامة الواردة فى القران والسنة. وقد صرح النبى بأن الله ترك للناس امورا يجتهدون فيها رحمة بهم فقال )ان الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض اشياء فلا تضيعوها وحرم اشياء فلا تنتهكوها وسكت عن اشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها( رواه الدارقطنى وقال الرسول ايضا )دعونى ماتركتكم انما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على انبيائهم فأذا نهيتكم عن شىء فأجتنبوه واذا امرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم( ان الامور التى تركها الله للناس رحمة بهم من غير نسيان هى الامور التى تستحدث مع تغير الزمان والمكان فيصبح من الرحمة بالناس ان يترك الله الحكم فيها للمجتهدين من الائمة . وهذا الاجتهاد يتمثل فى البحث عن الحكم الشرعى لامر ليس فيه نص من القران او السنة وذلك من خلال القواعد والاحكام المعروفة فى اصول الفقه كالقياس والاجماع والعرف والمصلحة . فالاجماع يكون على توفيق من النبى سواء علم النقل او لم يصرح به ولم يعرف ونسب الحكم الى الاجماع فقط. اما القياس وباقى الادلة الاخرى فأن حجتها تتوقف على النص الذى يستند اليه فى القران والسنة فأن خالف حكمهما يبطل والقياس هو اكبر دليل على ذلك . فالقياس هو اعطاء الشىء المسكوت عنه حكم الشىء المنصوص على حكمه وذلك لعله جامعة بينهما دون ان توجد فوارق معتبرة بين الشيئين .فأصبح المصدر الثالث للفقه هو القياس الذى هو تنزيل الاحكام على نظائرها فلا يصيب الناس ماصاب من سبقهم من خلاف حول التكاليف المشروعة . والمصدر الرابع هو الاجماع بين ائمة المدارس الفقهية بعد ان انعدم اساس القياس واصبحت مؤلفات واجتهادات ائمة الفقه تحظى برعاية المسلمين . ومن الفقهاء لم يجوز القياس فى الاحكام وعندهم الاصول هى الكتاب والسنة والاجماع فقط ومنعوا ان يكون القياس اصلا من الاصول . وهذا ماذكره الفقيه المجتهد داود الاصفهانى وظن ان القياس امر خارج عن مضمون الكتاب والسنة . ومن رجال الفقه المجتهدين اصحاب الحديث الشافعى وابن حنبل وداود الاصفهانى ومالك بن انس . وسموا اصحاب الحديث وذلك لاهتمامهم الشديد فى تحصيل الاحاديث ونقل الاخبار وبناء الاحكام على النصوص . ولايرجعون الى القياس . وجاء اتباعهم بعدهم وهم لايزيدون على اجتهاد فقهائم اجتهادا اخر بل يتصرفون فيما نقل عنه توجيها واستنباطا ولايخالفونهم البتة. وبالعكس هناك فقهاء ومجتهدين مثل الامام ابى حنيفة وهم اصحاب الرأى والقياس وتحصيل المستنبط من الاحكام وبناء الحوادث عليها . وقد اسندوا بأمور القياس اعتمادا على اجتهاد الصحابة الكرام واهتمامهم بالقياس فى مسائل المواريث. وقد قال ابو حنيفة )علمنا هذا رأى وهو احسن ماقدرنا عليه فمن قدر على غير ذلك فله مارأى ولنا مارأينا( واتباع هذا الاتجاه يزيدون على اجتهاد ابو حنيفة اجتهادا اخر ويخالفونه فى الحكم الاجتهادى . والعرف يرجع اليه فى الامور التى تركها الاسلام بعرف كل جماعة فى الزمان والمكان والعرف وضع له الفقهاء قاعدة عامة نصها )العادة محكمة( وعنها نشأ الحكم العام وهو )المعرف عرفا كالمشروط شرطا( والعرف كغيره من المصادر المشار اليها يبطل اذا خالف نصا فى القران والسنة الثابتة. والمصلحة وتحقيق المصالح لايشترط فيه التقيد بما ورد فى الشريعة من نصوص فى الكتاب والسنة لان ذلك يؤدى بنا الى القول بأن الاصل فى الاشياء الحظر الا ماورد به الشرع وهذا ليس من شريعة الاسلام فى شىء ذلك ان القاعدة فيها ان الاصل فى الاشياء الاباحة الا ماورد به النص من الحظر والمنع . ولهذا السبب يثور السؤال التالى هل الاصل فى الاسلام الحظر او الاباحة ؟ وقد رد ابن القيم على اصحاب الرأى الذى يزعم ان الاصل فى الاشياء الحظر وانه لامصلحة الا فيما ورد فيه النص.ان الشريعة الاسلامية وضعت سبلا لعلاج مايجد من احكام فقد شرعت الاجتهاد لتبين احكام الامور والمشكلات الطارئة التى ليس لها حكم منصوص عليه فى الشريعة وهى القضايا التى تخص مواضيع الشؤون القضائية والمعاملات المالية والنظم الاقتصادية والقضايا الادارية والدستورية . تركت الشريعة مجالا واسعا للعلماء والحكام كى يعالجوه بأرائهم وحكمتهم فى ضوء التوجيهات القرانية والنبوية الا وهو المباح . فالقانون الادارى والقانون التجارى والبحرى اغلبها تدخل فى دائرة ماترك لاهل الرأى من علماء الامة لتسييره وفق مايرون انه الافضل والاصلح لان كل ذلك اجتهادات بشرية متروكة للناس .فالشريعة الاسلامية اتت بهذه المسائل بقواعد عامة من غير ان تقدم التفاصيل والجزئيات بل تركت الشريعة امر التفصيل والتوضيح والشرح والتطبيق والمراحل للزمن وللبشر من خلال التجارب البشرية وتطور الحضارة الانسانية . لان لكل امة عقلية خاصة بها تتشكل من خلالها تفاعل الامة مع تراثها وهذا التفاعل يستقر بمرور الزمن داخل عقول افراد الامة ومن نهاية المطاف يكون الوضع الحضارى للامة مرتبط ارتباطا وثيقا بتراثها فكلما كان التراث حيا وقادرا على التفاعل مع روح العصر والحضارة كلما كانت الامة اقدر على احراز مواقع متقدمة بين الامم. فالشريعة الاسلامية قامت بتثبيت القاعدة وتحديد الاطار العام وتركت التطبيق وتفصيلات التنفيذ لاهل الحل والعقد حسب زمانهم ومكانهم شريطة الا تتعارض مع نص صريح او تخرج عن اطار الشريعة. فأن ادعى مدع بان الدليل على تصور الشريعة توجه العلماء الى الرأى والقياس فالجواب عن ذلك ان عقول البشر هى القاصرة والقصور انما جاء لعدم ادراك العلماء للاحكام التى تضمنتها هذه الشريعة المباركة ويقول العلامة ابن القيم مجليا هذه المسألة )الناس متفاوتون فى مراتب الفهم منهم من يفهم من الاية حكما او حكمين ومنهم من يفقه منها عشرة احكام او اكثر من ذلك ومنهم من يقتصر فى الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون ايمانه واشارته وتنبيهه واعتباره واخص من هذا والطف ضمه الى نص اخر متعلق به( والحاصل ان الناس متفاوتون فى ادراك دلالة النصوص تبعا لتفاوت افهامهم وادراكهم وجودة قرائحهم وصفاء اذهانهم ومعرفتهم بالالفاظ ومراتبها. لقد وضع الاسلام قواعد وقوانين مدنية وسياسية واقتصادية ووضح مبادئها العامة وترك للمجتهدين فى كل زمان ومكان الاجتهاد فى تفاصيلها بما يحقق للناس المصلحة العامة على ان لاتصطدم بنص صريح من قران وسنة او قياس او اجماع وذكر الشهرستانى فى الملل والنحل قائلا ).واذا اجتهد المجتهدان وادى اجتهاد كل واحد منهما الا خلاف ماادى اليه اجتهاد الاخر فلا يجوز لاحدهما تقليد الاخر . وكذلك اذا اجتهد مجتهد واحد فى حادثة وادى اجتهاده الى جواز او خطر ثم حدثت تلك الحادثة بعينها فى وقت اخر فلا يجوز له ان يأخذ بأجتهاده الاول اذ يجوز ان يبدو له فى الاجتهاد الثانى ماغفله فى الاجتهاد الاول ( ولاشك ان رجال الفقه وعلماء الشريعة هم اعظم مسؤولية امام الله وامام الناس فى حمل الامانة واداء الرسالة والتزام مبادىء الاسلام باعتبار انهم محل قدوة للناس اجمعين وباعتبارهم انهم اقدر من غيرهم فى اظهار الحجة ومقارعة الباطل ولايوجد فى الاسلام رجال دين بالمفهوم الكهنوتى عند النصارى يحللون ويحرمون مايريدون وانما يوجد فى الاسلام رجال اختصاص فى الفقه واللغة وعلوم الشريعة والسيرة النبوية والتاريخ كفؤا اهلا لحمل الامانة وجدير بتولى المسؤولية . ان الامة الاسلامية مرتبطة ارتباطا وثيقا بتراثها الاسلامى فالشريعة الاسلامية هى النص الواضح المنزل من الله تعالى وهى المرجعية المتحكمة فى السلوك الجماعى للامة المسلمة. اما السنة فهى الطريقة والوجهة والسلوك اى )النص والواقع( وقد ادرك الصحابة بان النص يعطى فسحة اوسع للعقل البشرى كى يتحرك بالنص بما يتماشى مع اختلاف الاحوال والزمان وقد ادركوا ذلك منذ وقت مبكر حين راوا تبدل الاحوال والزمان بات يقتضى اجتهادات جديدة فاجتهدوا ولم يشكل التراث ولا النص عائقا يحول دون اجتهادهم فلم يكن اسلافنا ياخذون بالتراث اخذا يعطل عقولهم ويدفعهم لتجاهل الحقائق التى استجدت فى عصورهم حيث كانوا يتحركون ضمن التراث والواقع وذلك بحثا عن حلول عملية لمشكلات هذا الواقع الذى شاءت حكمة الله ان يتغير ويتبدل لانهم كانوا يدركون ان تطور الاحوال مع مرور الزمن سنة من سنن الله فى الخلق وان هذا التطور يتطلب اجتهادات جديدة لمواجهة مشكلات المرحلة الا ان هذه القاعدة لم تطبق كليا لهذا ظلت معظم فتاوى المتأخرين صورة طبق الاصل عن فتاوى المتقدمين على الرغم من العصور الطويلة مما ادى دخول فقهنا الاسلامى شيئا فشيئا مأزق الانفصال عن واقع العصر حيث اغلق باب الاجتهاد مع سقوط عاصمة الخلافة بغداد عام 656 هجرية واصبحت بعدها الفجوة مابين الفقه وواقع الناس والمشكلات التى يعانون منها تزداد اتساعا يوم بعد يوم مما ادى الى ابقاء كثير من القضايا والمشكلات دون حل مما ادى بمرور الزمن الى حالة الغياب الحضارى التى نعيش اليوم اشد ايامها مرارة وقسوة وذل سنة الله فى خلقه 3- فتح باب الاجتهاد لمواجهة التطور نزل القران على قلب الرسول)ص( نورا يضىء عقول اهل العلم ويبدد ظلمات الجهل . جاء الى امة ضلت ضلالا لايرجى صلاحه مما ادى بها الى اتخاذ من الاحجار والاوثان للعبادة ووصل بها الحال الى ان تتخذ الصنم من التمر فتأكله فغير الاسلام حالها وصيرها خلقا اخر فى سلوكهم وحياتهم . وبقى الرسول مبينا للاحكام الشرعية وموضحا الاسس الحكيمة فى الشريعة الاسلامية . واخذ الحكم من الكتاب الكريم والسنة النبوية . ثم كان عصر الصحابة فوقفوا عند ايات الله وسنة نبيه واجتهدوا فى حدود النص ومقاصد النشريع وجاء بعدهم عصر التابعين فكانت مصادر فهمهم لكتاب الله بأية او سنة او فتاوى الصحابة فيما لايتعارض مع نص من النصوص الشرعية الثابتة . وقد حرم الاجتهاد والتأويل فى عهد المتوكل الذى حسم الصراع لصالح فكرة الخلق الازلى للقران , والتى اغلقت كل مسارب التفكير من خلال الوثيقة المتوكلية التى انتصرت لصالح المؤسسات الدينية التى تقف ضد الاجتهاد والتفكير واعمال الذهن .وقد حرم الاجتهاد والتأويل فى عهد المتوكل الذى حسم الصراع لصالح فكرة الخلق الازلى للقران , والتى اغلقت كل مسارب التفكير من خلال الوثيقة المتوكلية التى انتصرت لصالح امؤسسات الدينية التقليدية الى تقف ضد الاجتهاد , والتفكير واعمال الذهن . وبعدهم توقف الاجتهاد وكان هذا من اكبر الاصابات التى لحقت بالامة الاسلامية وبالعقل المسلم وكانت وراء كل هذه الاصابات والازمات هو اغلاق باب الاجتهاد وتوقيف العقل المسلم والحكم على الامة الاسلامية بالعقم ومحاصرة الشريعة الاسلامية وامتدادها بأجتهاد بشرى محدود القدرة والرؤية ومحكوم بعوامل الزمان والمكان كان وراء كل الاصابات العقلية والفكرية والثقافية جميعا التى يعانى منها المسلم اليوم وجعلها عالة على غيرها حيث لم يتوقف الاجتهاد الفقهى فقط الذى توهمنا اننا اغلقنا بابه وانما توقف العقل والمجادلات الفكرية على مختلف الاصعدة وساد الامة الاسلامية وباء التقليد الجماعى لذلك يمكن القول بأن الامر بأيقاف الشريعة عن الامتداد بحجة ضعف المؤهلات التى تمكن من الاجتهاد وحجة ان الاولين لم يتركوا للاخرين شيئا فانه افسح المجال للغزو الفكرى والقانونى الغربى واصبح امتداد للثقافات والافكار الاخرى والغى العقل المسلم بعد الغاء او ايقاف الشريعة بحجة عدم الصلاحية لهذا الزمان . ان استمرار الاجتهاد هو الطريق السليم الذى يجب ان يبنى عليه العقل المسلم ويمكن ان نقول وبدون ادنى تحفظ ان اغلاق باب الاجتهاد كان وراء كل البلايا والاصابات والازمات المتلاحقة ولاسبيل الى استعادة العافية للعقل المسلم الا بكسر هذا الحاجز واتاحة اكبر قدر من الحرية الفكرية والفقهية من خلال التناظر والتشاور والتحاور للوصول الى الاجتهاد الصحيح على ان يكون الكتاب والسنة واجماع الصحابة والقياس هى الحارس وصمام الامان من الانحراف فى اخذ الاحكام الشرعية اننا نخالف لرأى القائلين بأستحالة الاجتهاد لان فى عصرنا الحالى توافرت فى الامة الاسلامية فقهاء توافرت فيهم شروط الاجتهاد المطلق والخاص وحرم عليهم التقليد ..فالاجتهاد لايخرج عن ان يكون رايا بشريا يسرى عليه الخطأ والصواب ويؤخذ منه ويرد وليس نصا دينيا يلغى حكما او يعبث بالدين ولذلك لابد على المجتهد فى تبنى الحكم الشرعى لاستنباط الحكم منه ان يكون قائما على حكم الله فى المسألة وليس الحكم الذى وضعه البشر ولذلك لابد ان يكون الدليل الذى استنبط منه هذا الحكم قد جاء به الوحى وان يكون هذا الحكم اثباتا مقطوعا به اى لابد ان يكون الدليل على ان الدليل الذى استنبط منه الحكم قد جاء به الوحى دليلا قطعيا لا دليلا ظنيا . وبما ان الافكار والاحكام التى تتمثل فى مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات تستنبط بناء على غلبة الظن فأنه يخشى ان لم يتأكد من ان اصل الاحكام قد جاء به الوحى ان تتولد لدى الامة افكار غير اسلامية بوجود احكام مستنبطة من اصل لم يأتى به الوحى وهذا اذا تكاثر وامتد به الزمن يؤثر على وجهة نظر الامة فى الحياة وبالتالى يؤثر على سلوكها ولذلك لابد من ان يتأكد من ان الادلة التى قد استنبط منها الحكم الذى يراد تطبيقه من قبل الدولة هى ادلة قد جاء بها الوحى . ان الاختلاف فى الاراء فى المسألة الواحدة يحتم على المسلم الاخذ برأى واحد منها فكان لابد للعمل بالحكم الشرعى فى هذه المسالة من تبنى راى معين فيها ذلك ان الاحكام الشرعية المتعلقة بأفعال العباد كان فيها الكثير مما يحتمل عدة معان لذلك كان طبيعيا ان يختلف الناس فى فهمها . ومن هنا كان لابد من ظهور اراء متباينة فى المسألة الواحدة وكان لابد من الاخذ بحكم شرعى معين لانه امرا لازما حتى يصبح عام لجميع المسلمين وقد جعلت الشريعة الاسلامية الاجتهاد لاستنباط الاحكام الشرعية من النصوص الشرعية التى اوصى الله بها الى الرسول فرضا على المسلمين وروى عنه عليه السلام انه قال لمعاذ وابى موسى الاشعرى وقد انفذهما الى اليمن )بم تقضيان؟( فقالا ) ان لم نجد الحكم فى الكتاب والسنة فسنا الامر بالامر من كان اقرب الى الحق عملنا به( وهذا القياس منهما هو اجتهاد لاستنباط الحكم والنبى محمد قد اقرهما عليه وهو اقرار صريح بالاجتهاد لان معرفة الاحكام متعلق ومرتبط بالاجتهاد بحيث لايمكن ادراك الاحكام ومعرفتها دونه فصار الاجتهاد فرضا . وقد نص علماء اصول الفقه على ان الاجتهاد فرض كفاية على المسلمين ولايجوز ان يخلو عصر من الاعصار من مجتهد وذلك لان طريق معرفة الاحكام الشرعية انما هو الاجتهاد فأذا خلا عصر من مجتهد يمكن الاستناد اليه فى معرفة الاحكام افضى ذلك الى تعطيل الشريعة وهو لايجوز . وبما ان القران والسنة من نصوص الشريعة ولم تأت مفصلة وانما جاءت مجملة تنطبق على جميع وقائع بنى الانسان ويحتاج فهمها واستنباط حكم الله فيها الى بذل الجهد لاخذ الحكم الشرعى فيها لكل حادثة . وهذا الاجتهاد ليس بالصعب والمستحيل والبالغ الصعوبة لان المجتهد اذا بذل كل الجهد فى الوصول الى الفهم لمعرفة الحكم الشرعى فانه سيتوصل لمعرفة الحكم الشرعى وهذا ممكن للجميع ضمن شروط معينة وقد كان الاجتهاد عند المسلمين فى العصور الاولى طبيعيا ولم تكن له اى شروط الا شرط اللسان العربى والاعتماد على معرفة الادلة السمعية وكذلك معرفة دلالة اللفظ المعتمد بها فى لسان العرب واستعمال البلغاء وماعدا هذين الشرطين لايوجد اى شرط للاجتهاد فى العصور الاولى للاسلام . والمجتهد اما يكون عالما مجتهدا او يكون مقلدا لانه اذا اخذ الحكم الشرعى ليعمل به فانه ينظر فيه فان اخذه من مجتهد سابق يكون قد قلد ذلك المجتهد وان اخذه عن غير مجتهد يكون قد تعلم ذلك الحكم من اخذه عنه ولا يكون قد قلده .والمجتهد اما ان يكون مجتهد مطلق او مجتهد جزئى والمجتهد المطلق الذى يفتى فى جميع الشرع وفى كتاب الاحكام للامرى بعد ان نص على شروط المجتهد قال )وذلك كله انما يشترط فى المجتهد المطلق للحكم والفتوى فى جميع المسائل واما الاجتهاد فى بعض المسائل فيكفى فيه ان يكون عارفا بما يتعلق بتلك المسألة وما لابد منه فيها ولايضره فى ذلك جهله بما لاتعلق له بها بباقى فى المسائل الفقهية . والمكلف اذا حصلت له اهلية الاجتهاد بتمامها فى مسألة من المسائل فأن اجتهد فيها واداه اجتهاده الى حكم فيها فقد اتفق الكل على انه لايجوز له تقليد غيره من المجتهدين فى خلاف مااوجبه ظنه . اما الاجتهاد الخاص او الجزئى وهو الاجتهاد فى رقعة خاصة للوصول الى معرفة حكمها الشرعى بالدليل والقادر على هذا النوع يحرم عليه التقليد فى المسألة التى يقدر على الاجتهاد فيها. واذا تعارض قولا مجتهدين يجب التحرر فيهما والعمل بما يقع فى قلبه انه الصواب وليس له الرجوع عما عمل به الا اذا ظهر له خطؤه. هل على المجتهد ان يقلد الائمة الاربعة فى اجتهاده او عدم التقيد والتعصب لمذهب معين من هذه المذاهب الاربعة ؟ هناك من يرىا- وجوب عدم التعصب لمذهب معين من المذاهب الاربعة. ولم يوجب الله ولارسوله على احد من الناس ان يتمذهب بمذهب رجل من الامة فيقلده فى دينه فى كل مايأتى ويذر دون غيره. وقد صرح العلائى بان المشهور فى كتب المذهب جواز الانتقال فى اجاد المسائل والعمل فيها بخلاف مذهب امامه الذى يقلدهب- وجوب تقليد الائمة الاربعة . جاء فى التحرر وشرحه نقل الامام فى البرهان اجماع المحققين على منع تقليد العوام اعيان الصحابة وان عليهم ان يقلدوا الائمة الذين جاءوا بعد الصحابة لانهم دونوا وهذبوا وفصلوا وبوبوا واوضحو طرق النظر وعلى هذا بنى ابن الصلاح وجوب تقليد الائمة الاربعة لانضباط مذاهبهم وتحرر شروطها. ان قول ابن الصلاح باطل وفيه خلل اذ ان المجتهدون الاخرون ايضا بذلوا جهدهم مثل بذل الائمة الاربعة وافكار هذا مكابرة والحق انه انما منع من تقليد غيرهم لانه لم تبقى رواية مذهبهم محفوظة حتى لو وجدت رواية صحيحة من مجتهد اخر يجوز العمل بها. واصبح الحق هنا واضحا جليا وهو من الخطأ القول بعدم جواز تقليد غير الائمة الاربعة ومن ان هذا حادث فى الامة الاسلامية لم يقله احد قبل ابن الصلاح وهو راى خاطىء مبنى على خطأ. كان المسلمون مجمعين على جواز تقليد اى عالم من علماء المسلمين ثم نقل اجماع المحققين على منع تقليد اعيان الصحابة لانه ليس فى وسع العامى ان يعرف غرضهم وان يفهم مقصدهم ثم رتب ابن الصلاح على هذا وجوب تقليد الائمة الاربعة دون سواهم وابن الصلاح هذا مقلد فكيف يؤخذ برأى فقيه مقلد ليس واحدا من الائمة الاربعة ؟ وكيف ينسخ الاجماع برأى واحد لايصح تقليده ولا الاخذ بقوله. لم نعرف احدا من العلماء تكلم عن اجماع المحققين وشروطه وطريقة نقله وهل هو ممكن او مستحيل ؟ وهل يمكن نقله وهل يكفر مخالفه؟ وغير ذلك من القواعد التى وصفها العلماء لاجماع المجتهدين فكيف مع هذا نأخذ من اجماع المحققين احكاما شرعية تحصر الدين الاسلامى جميعه فى اشخاص اربعة بعد ان كان الفقهاء لايمكن عدهم فى جميع العصور الماضية ؟ الاجماع الذى هو حجة معروف فى كتب الاصول انه اتفاق جميع مجتهدى عصر من العصور على حكم شرعى ظنى مع استحالة الاجماع ونقله بعد القرون الثلاثة او الاربعة الاولى نظرا لتفرق العلماء فى مشارق الارض ومغاربها واستحالة الاحاطة بهم وبأرائهم لبعد المسافات التى تفصل بعضهم عن بعض فكيف اذا عرف اجماع المحققين على منع تقليد اعيان الصحابة وكيف امكن نقل هذا الاجماع . ان ادعاء الاجماع هو كذب وادعاء باطل فكيف نسميه اجماع المحققين . والخلاصة انه يجوز تقليد غير الائمة الاربعة متى صح النقل عنهم وفهم مرادهم.لان نشأة هذه المذاهب الفقهية لم يكن بحال من الاحوال عرضا مرضيا من اعراض الطائفية وانما كان ولايزال دليلا قاطعا على السماحة التى ضبغت الفكر الفقهى فى الاسلام والذى تمثل بوجود فقهاء المذاهب الاربعة الامام ابو حنيفة ومالك بن انس والشافعى واحمد بن حنبل وانه مامن واحد من هؤلاء الائمة الكبار كان يريد ان ينشىء مذهبا خاصا به فى الفقه . قال بعض العلماء انه لايمكن الوثوق بأقوال غير الائمة الاربعة لانه لاتوجد كتب مدونة لنقل مذاهبهم وان وجدت فلا يمكن الثقة بها لانها لم تنقل الينا بطريق موثوق به ولم يتلقها الناس عن الشيوخ فهى كتب منقطعة الاسناد وايضا فانه لابد من معرفة شروط الاحكام وقيودها ومعرفة ان قائليها لم يرجعوا عنها وهذا غير ميسور فى اقوال غير الائمة الاربعة. فهل نعتبر كتاب الام للامام الشافعى والمدونة للامام مالك وكتب دلائل الاعجاز واسرار البلاغة ولسان العرب وغيرها من الكتب لايوثق بها لعدم تلقيها عن الشيوخ ولانها كتب منقطعة الاسناد وخصوصا واننا نعلم انه لايوجد هناك كتاب لابو حنيفة دونه بيده وهذه كتب الطبقات تذكر لنا عددا من المجتهدين وتنقل اراءهم وكتب المذاهب نفسها مشحونة بأراء العلماء غير الائمة الاربعة. ولكن مذهب داود وهو من اهل الاجتهاد بأتفاق العلماء منتشرا فى الامة الاسلامية زمنا طويلا وكان له اتباع من العلماء الاجلاء وكان لهم كتب مدونة ومنها كتاب وضعه ابن حزم يسمى المحلى يقع فى سبعة اجزاء ولاتزال موجودة الى الان وهناك كتب كثيرة اهدرت جميعها لعدم روايتها وتلقيها عن الشيوخ وهذا اهدار للعقل نفسه الذى يستطيع تمييز الحديث من الطيب وتمييز الصحيح عن الفاسد ولاشبهة فى انه يمكن الوثوق من كتب الفقه والحديث بصحة نقل الاراء عن غير الائمة الاربعة. وقد نهى الائمة الاربعة عن تقليدهم وذموا من اخذ اقوالهم بغير حجة فقال الشافعى )الذى يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل يحمل افعى تلدغه وهو لايدرى( وقد فرق احمد بين التقليد والاتباع حيث قال)لاتقلدنى ولاتقلد مالكا ولا الثورى ولا الاوزاعى وخذ من حيث اخذوا( وقال ابو يوسف ) لايحل لاحد ان يقول مقالتنا حتى يعلم من اين قلنا( ونستطيع القول ونثبت ان تقليد امام من غير معرفة دليله او النظر فى الادلة وفهمها وترجيح دليل على دليل امر يأباه الدين وتأباه اقوال الائمة. وقد نبه الامام ابو حنيفة المتمذهبين بمذهبه فقال )لايجوز لاحد ان يقول بقولى حتى يعلم من اين اخذته( وطبقه الامام الشافعى حين قال لتلاميذه )اذا صح لكم الحديث فخذوا به ودعوا قولى( بل كان الشافعى يكره ان يقلده احد من غير دليل . ويقول المزين صاحب الشافعى فى اول كتابه المختصر )اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن ادريس الشافعى رحمه الله ومن معنى قوله لاقربه على من اراده مع اعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه يحتاط فيه لنفسه ( وانما نهى عن تقليده المتمكنين من ادلة الشريعة واصحاب الملكة فى الفهم والاستنباط اما غيرهم من العوام واشباههم وغير المتخصصين فلا يقول عالم عاقل بحقهم فى الاجتهاد وانما لهم تقليد من يرجون النجاة يوم الدين بتقليده حتى تتم له ادالة الاجتهاد ويكفى منها معرفة مصادر الادلة وشروحها والقدرة على دراسة اراء المجتهدين فيها مع الفهم والتفقه والمعرفة التامة بالعربية واساليبها وفوق ذلك ان يكون له تقوى تصده على الحرام وورع يكفيه عن الهوى . واذا لم يكن الاجتهاد ميسور سواء اكان جزئيا او مطلقا ليس يعسر على المجتهد على وجود الادلة فى العلوم العقلية وعلوم الفقه الذى يستطيع فهم الادلة وترجيح بعضها على بعض ويعمل بما تطمئن اليه نفسه. والمجتهد يحرم عليه شرعا ان يعمل بغير رأيه سواء اكان مجتهدا مطلقا او مجتهدا فى مسألة . المقلد الذى يستطيع النظر فى الادلة وترجيح بعضها على بعض يجب عليه ان يعمل بما يترجح عنده بالدليل ولايجوز له ان يتخير ومن لايستطيع الترجيح يتخير ويعمل بما يطمئن اليه قلبه. فالمجتهد والمفتى يستطيع ان يفتى على عرف اهل زمانه وان خالف زمان المتقدمين ولابد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس ومن جهل زمانه فهو جاهل والمفتى ليس له الجمود على المنقول فى كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان واهله وهذا المنقول وان خالف المنصوص عليه من كتب المذاهب مالم يخالف النص الشرعى. فلا يجوز ان تجمد الفقهيات الاجتهادية امام حوادث الزمن وامام مايجد فيه من عادة ومصطلحات وهى قابلة للتجدد وقابلة للتغير فالاحكام الاجتهادية قابلة للتغير بالعرف العام والخاص . فهل توجد مرونة فى القوانين تسع الناس اكثر مما فى هذه الاحكام؟ وهل يصح مع هذا ان يقول احد ان قواعد الفقه جامدة لاتسع الناس فى كل عصر ومكان . الحق ان هذا ظلم للشريعة والفقه والاجتهاد ولكنه ظلم جره تزمت الفقهاء المحدثين الذين لم يفهموا روح الدين ولاروح الفقهاء المتقدمين . فقد قال سبحانه تعالى )يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر( )وما جعل عليكم فى الدين من حرج( وهذان النصان يجب ان تبقى سيطرتهما تامة على جميع التشريع الاسلامى. وعلى المفتى فى اجتهاده ان يعرف بأحوال الناس وانه ليس له الجمود على المنقول فى كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان واهله والا اضاع حقوقا كثيرة وكان ضرره اعظم من نفعه. هذا هو الفقه الذى لايمكن لشخص يقدر عقله ان يحيد عنه فان استطاع العلماء سد باب الاجتهاد المطلق فلن يستطيعوا سد باب الاجتهاد الخاص وان استطاعوا فلن يستطيعوا سد باب الاجتهاد فى المذهب لاختيار رأى يلائم عرفا عاما او خاصا او رأى قضت به ضرورة عامة او خاصة او لاستنباط رأى فى حادثة لم يكن منصوصا عليها . والحق ان الاجتهاد فى المذهب لم ينقطع فى اى عصر من العصور الماضية وهو باق الى الان فالحوادث الماضية لانهاية لها ولايمكن ان تحدها الكتب وفى كل يوم نجد للقضاة والمفتين حوادث لاعهد للكتب بها فيستنبطون لها احكاما طبقا للقواعد العامة وتنسب هذه الاحكام الى مذهب القضاة والمفتين وسيستمر هذه مابقيت الدنيا.اذن ان معالجة ازمة العقل المسلم ونهوض المجتمع الاسلامى وتحقيق الشهود الحضارى مرهون الى حد بعيد بأتاحة حرية الفكر والفقه. فلا يمكن ان نجعل باب الاجتهاد مغلقا الى الابد , فما اكثر الحوادث المستجدة التى تتطلب من هو اهل للاجتهاد والاستنباط . والاجتهاد هو بذل العالم وسعه فى استنباط الحكم , فأن حكم بنص فقد حكم بحكم الله , وان حكم بما يفهم ويرى غيجب ان يغلب على ظنه ان الله لو انزل نصا لهذا الحكم , لكان موافقا لما افتى به . ان الاجتهاد يجب ان يظل حيا متحركا فى كل زمان ومكان وان لايظل الاسلام دينا راكدا لايتحرك ولاينهض ان الاسلام كفيلا بأن يعيش مع الحياة يتطور ويطورها فقضية الاجتهاد قضية قديمة ناقشها فقهاء المسلمون منذ قرون وتعصب له البعض فراى ان باب الاجتهاد يجب ان يفتح على مصراعيه الى ان يرث الله الارض ومن عليها وتعصب البعض الاخر عليه وراى ان بابه قد اغلق منذ ان مضى الصحابة والتابعون وتابع التابعون وظل معظم العلماء منحازين ومتشيعين للفريق الاخر وحتى جاء الامام محمد عبدة فانضم الى الفريق الاول وبعث فى القضية الحياة فالامام محمد عبده كان يعتمد فى تجديده على المنطق يؤيد به فقه التشريع . ان علماء المسلمين الاوائل الذين حكموا بقفل باب الاجتهاد ووضعوه فى صورة المستحيل عادة فى هذه الازمان . ومنذ قرون طويلة مضت وهو غلط يجب ان يصحح حيث قال الامام الغزالى )والمجتهد لايكاد يوجد من امد بعيد لتوقف الاجتهاد على امور يتعسر وجودها لشخص مافى تلك الازمنة ليس ذلك لاستحالته عقلا لانه امر يمكن فى ذاته فلا مانع من تحققه لمن اراد الله من عباده وانما ذلك لقصور الهمم وتقاصر العزائم عن البحث والتنقيب وعدم الاحاطة بالناسخ والمنسوخ والوقوف على احوال الرواة خصوصا بعد البعد عن عصر النبوة فلا قاضى يوجد مجتهدا الان كما ماهو معروف ومشاهد( فالحل الاسلامى الذى نطالب به يجب ان يماشى فى استنباط الاحكام الجديدة للوقائع فى الامور الدينية التى لانص فيها ولا اجماع ولاقياس اعنى الامور التى تركها الاسلام لتقدير اهل الاجتهاد من ابنائه يختارون لانفسهم فيها مايحقق المصلحة ويدفع الضرر ولو كان بالاقتباس من غيرهم. وان هذه الامور الجزئية اذا اقتبست من غير المسلمين تعد فى هذا الوقت جزءا من الحل الاسلامى لانها اقتبست بأسم الاسلام وعن طريقه ووفقا لقواعده فى استنباط الاحكام الشرعية لما لانص فيه من الوقائع والتصرفات وان هذه الجزئيات التى تؤخذ من نظام غير اسلامى فانها باندماجها فى النظام الاسلامى تفقد جنسيتها الاولى وتاخذ طابع الاسلام وصفته وصبغته فان الحل الاسلامى لمشكلات العصر لايتأتى الا اذا فتح باب الاجتهاد لكل قادر عليه ووجد المجتهدون الذين يحسنون فهم نصوص الشريعة ومقاصدها واصولها وقواعدها وتطبيق احداث العصر عليها دون تعصب لراى قديم او عبودية لفكر جديد . ان الشريعة الاسلامية خصبة غنية بالمبادىء والافكار والاصول والاجتهادات ولدينا ثروة فكرية فقهية لاتملكها امة من الامم وقد شهد لها بذلك الكثيرون من المنصفين من غير المسلمين فمثلا يقول دافيد يوو )القران دستور اجتماعى مدنى تجارى حربى قضائى وهو فوق ذلك كله قانون سماوى عظيم ( فشريعتنا اكمل واعدل واغنى واسبق من كل الشهادات التى يعترف بها لها المنصفون من غير اتباعها ولكن لايمكننا الاستفادة من هذه الشريعة الكاملة وتلك الثروة الفقهية الطائلة الا بالاجتهاد الاصيل ولايؤتى هذا الاجتهاد ثمراته الا اذا قام على اساس جماعى لاعلى اساس فردى . فالاجتهاد الجماعى والتى الاجتهاد الجماعى هو القادر على ان يبرز وجهة النظر الاسلامية وموقف الفكر الاسلامى من قضايا العصر ومشكلاته وهو الذى يمكن الزام الامة بقراراته ونتائج بحوثه وان سلطته تشبه او تقارب سلطة الاجماع فى القرون الاسلامية الاولى. اننا لاندعو الى العزلة واغلاق كل النوافذ على المجتمع المسلم وتحريم اى اقتباس من اية حضارة يجب على المسلمين اقتباس كل ماامكنهم من العلوم المادية والتطبيقية ولاحرج على المسلمين ان يقتبسوا من غيرهم اى نظام جزئى على ان يكون نافع للمجتمع الاسلامى وملائم لطبيعته وحضارته بشرط الا يخالف نصا ثابتا ولاقاعدة شرعية . وعليهم ان يحوروا ويعدلوا فى اى نظام يقتبسونه حتى يصبح ملائما للوضع الاسلامى الصحيح الا انه هناك بعض علماء المسلمين المتشددين يرفضون اى اقتباس لاى وضع او نظام جزئى من خارج دائرة الاسلام ولهم فى ذلك شبهات يذكرونها بوصفها ادلة واسانيد كحديث )من احدث فى امرنا ماليس منا فهو رد( متفق عليه من حديث عائشة وغفل هؤلاء عن المقصود بكلمة امرنا فى هذا الحديث انه امر الدين من العقائد والعبادات والتكاليف فهذا امر توقيفى لايقبل فيه الاقتباس ولا الابتكار لانه لايؤخذ الا من الله وحده. ومن اهم الشروط التى يجب توفرها فى المجتهد للوصول الى الاحكام من خلال ادلتها التفصيلية وتطبيق احداث العصر عليها هى: 1- على الفقيه والمجتهد ان يكون له معرفة تامة فى تفسير وفهم القران لانه قد نزل بلسان قريش العربى وخصوصا مايتعلق بالاحكام ومعانى الايات . وان يكون عالما بموضع الاية التى يريد الاستدلال بها وتطبيقها عند الحاجة ولايشترط فيه حفظ القران كله . فأن من الصحابة لم يتعلم جميع ايات القران واحكامه وقصصه ومواعظه . وعليه ان يعلم ان الاية التى يستدل بها ليست منسوخة.2- على المجتهد ان يكون عارفا بالاحاديث النبوية والسيرة النبوية وبموقع كل باب من ابواب الحديث بحيث يستطيع المراجعة والتدقيق وقت الفتوى ولايشترط على المجتهد ان يكون عارفا او حافظا للاحاديث كلها وعليه ان يعرف ان الحديث الذى يستدل به ليس منسوخا . ثم دراسة الاحاديث التى استشهد رواتها بالعدالة وقبلتها الامة لايلزمه ان يبحث عن اسنادها . اما الاحاديث التى ليست كذلك فيكفيه فيها تعديل الائمة العدول لرواتها بعد ان يعرف مذاهبهم فى الجرح والتعديل وانها مذاهب صحيحة.3- على المجتهد ان يكون له معرفة تامة للغة العربية بحيث يمكنه فهم لغات العرب ، والتمييز بين الالفاظ العام والخاص ، والمطلق والمقيد والنص والظاهر ، ومعنى الكلام ومفهومه ، والنحو والقواعد على الوجه الذى يتيسر به فهم خطاب العرب.4- معرفة سيرة الاسلام فى عهده الاول ايام الرسول والصحابة معرفة تامة ، ومتابعة مارؤى من الصحابة وكيف سلكوا طريقهم فى تفسير الايات ، واخرجوا اجتهادهم من خلال تلك المواعض والقصص التى ذكرها القران الكريم . ودراسة ومتابعة اجماع الصحابة والتابعين وتابعى التابعين حتى لايقع اجتهاده فى مخالفة الاجماع . ويلزم ان يعرف ان المسألة التى يبحث فيها ليست مجمعا فيها على رأى يخالف رأيه ولايلزمه حفظ مواقع الاجماع والخلاف. 5- الرجوع الى امهات التفاسير المعروفة ومقارنتها ودراسة الاخبار التى ورد فيها والاحاطة التامة بمعرفة الاخبار بمتونها واسانيدها والوقائع الخاصة بها ومعرفة احوال الرواة فى كل مايخص بهم من الثقة والطعون ثم تقديم الاجتهاد حسب معطيات تلك الاخبار ويكفى ان يكون عند المجتهد اصل مصحح كسنن ابى داود ومعرفة السنن لاحمد البيهقى.هذه هى اهم الشروط التى لابد من مراعاتها حتى يكون المجتهد مجتهدا واجب الاتباع . وقد اصبح الاجتهاد فى الوقت الحاضر ممكنا عقلا وطرقه ايسر مما كانت عليه فى القرون السابقة وذلك للاسباب التالية..ا- لقد جمع العلماء ايات الاحكام واحاديث الاحكام والناسخ والمنسوخ ومواقع الاجماع فى اكثر من كتاب واصبحت الاحكام مدونة فى كتب الفقه وفى شرح الحديث وكتب التفسير.ب- اصبحت الامة الاسلامية تعتمد على الكتب المدونة كما تعتمد على اراء ائمة الجرح والتعديل فى الرواة فكتب الرجال موفورة تضم سيرتهم واحوالهم ولايعسر على طلاب العلم البحث عن رواة اى حديث من الاحاديث.ج- اللغة العربية وفنونها من نحو وصرف وادب وبلاغة اصبحت تدرس فى الجامعات والمعاهد الدينية وغيرها دراسة دقيقة وافية تكفى لفهم خطاب العرب.د- تدرس اصول الفقه على ادق الوجوه واكملها وتدرس الادلة وشروطها ايضا فى الجامعات الدينية.ه - وقد توفرت مواد البحث فى كل فروع العلوم فى التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو والمنطق وجمع الحديث كله وميز صحيحه من فاسده وفرغ الناس من تدوين سير الرواة ومذاهب الفقهاء جميعهم مدونة وادلتها معروفة.ومن هنا نتوصل الى نتيجة واقعية يتقبلها العقل والمنطق وبما ان امتنا الاسلامية قد دخلت فى متاهة الغياب الحضارى فانه لايمكن لها ان تسترد شهودها الحضارى وعافيتها الا بأخذ خيارين لاثالث لهما:1- ان تتخلى عن تراثها القديم فى بناء تراث جديد على اسس جديدة وهذا مايتمناه الغربيون والعلمانيون وينشدون الى تحقيقه بكل الوسائل والسبل المفتوحة امامهم الان فى كل المجالات 2- او ان تعيد النظر فى تراثها القديم لتنفى عنه الشوائب التى علقت به وامست تحول بينه وبين التفاعل الحضارى الخلاق مع روح العصر والتطور والتقدم. ان الخيار الاول غير وارد اصلا ومرفوض رفضا قاطعا لارجعة فيه ولانأخذ به بعين الاعتبار لان ارتباطنا بتراثنا الاسلامى هو ارتباط عقيدة وايمان وتوحيد وسلوك ويبقى علينا الاختيار الثانى وهو الصعب يجب الاخذ به حتى ندخل روح العصر وتشكيل الظاهرة الحضارية والتى لاتتم الا من خلال النص والتراث والواقع فعلينا استنباط واجتهاد مسائل تشريعية خاضعة للتطور والتجديد والتى لايرد فيها نص صريح اصلا وهى تكون خاضعة للاجتهاد الزمنى حيث يجتهد بهذه المسائل علماء مسلمين راسخون بالعلم متمسكون بالورع والتقوى ومتصفون بالذكاء وملكة الاجتهاد فيصدرون احكامهم بما يحقق وجه المصلحة ومايتلاءم مع التطور الحضارى والتقدم العلمى ليقرروا حكم الاسلام بهذه المسائل المستجدة على ضوء المصلحة والتطور وروح الشريعة ومقاصدها العامة. . وطاعة المجتهد فيما يجتهد فيه لصالح المسلمين والنصح له واجب , ولايجوز مخالفته الا اذا امر امرا صريحا بمعصية الله عز وجل .لقد اوردت هنا على ان الشريعة الاسلامية صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان . ولكنى لم اخض فى هذا الموضوع بالتفصيل الكامل بدقائقه وتفصيلاته واعترف بقصورى وعجزى عن الاحاطة به . وفى امتى من هم اطول باعا واكثر حكمة ومعرفة بأمور الشريعة ومبادىء الاسلام لكننى ارسم خطوطا عريضة واضع مؤشرات هادية على معالم الطريق تقيم الحجة مستلهما اراء العلماء المحدثين منهجهم فى البحث والتنقيب .مزاعم اعداء الشريعة الاسلاميةان الشريعة الاسلامية كنظام وعقيدة ومنهاج عمل وسلوك الا هناك عقبات كثيرة تحول او تؤجل تطبيق الشريعة الاسلامية منها تشكيك اعداء الاسلام بقدرة الشريعة لمسايرة التطورات الحديثة التى اجتاحت العالم ومنهم العلمانيون العرب الذين نبذوا دينهم واعتنقوا فكر الغرب المادى العلمانى وقوانينه ومنهم الحكام الذين اعتلوا العروش والكراسى فى ديار الاسلام وعملوا على اقصاء الشريعة الاسلامية والوقوف بقوة السلاح فى وجه المخلصين من الدعاة والعلماء المنادين بتطبيق حكم الله فى الارض او استعمال كل الطرق والسبل من تسويف وتدليس وتشكيك وتشويه بالشريعة الاسلامية والحجج التى يقدمها الحكام العلمانيون عندما تشتدد المطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية الى التسويف والاعتذار بأعذار واهية مثلا يدعون انه يجب التريث لاعداد وتهيئة المناخ المناسب لتطبيق الشريعة او ان الشريعة لم تقنن بعد او ان علماء الشريعة متقاعسون فى العمل على تطبيق الشريعة. ويظهر لنا من خلال دراسة كل هذه الحجج والمعوقات التى يقدمها اعداء تطبيق الشريعة هى معوقات حكومية وهو اسلوب التسويف واللف والدوران. ولا ننسى عقبة الجمود الفكرى والتعصب المذهبى الذى اصاب الفقه والفقهاء فى البلدان الاسلامية والعلمانيون العرب يتسألون حول تطبيق الشريعة الاسلامية وحال لسانهم يقول هل يجوز فى عقل او منطق وفكر الانسان المتحضر فى عصر العلم والحضارة والتقدم ان تقام الحدود البربرية الهمجية كالجلد والرجم وقطع الايدى ؟ وكيف يمكن ان يطبق اليوم فى دولة عصرية متحضرة قانون وضع قبل اربعة عشر قرنا لمجتمع بعينه فى زمان بعينه ؟ وكيف اذا نعتقد بعد كل ذلك القانون الالهى يصلح لكل زمان ومكان ؟ وهذه كلها من اهم الاسباب والمعوقات التى تقف فى وجه تطبيق الشريعة وصد المسلمين من الرجوع الى حكم الله هل حقا ان الشريعة الاسلامية لاتصلح لعصر العلم والحضارة والرقى والتقدم؟ لانها تناقض الحضارة والمدنية حسب اعتقادهم وتفكيرهم. او ان الشريعة لاتتضمن اى منهاج للحكم والسياسة ؟ كما يدعى ذلك اعداء تطبيق الشريعة حيث يقول المستشار المصرى محمد سعيد العشماوى )ان القران والسنة لم يتضمنا اية مناهج للحكم والسياسة وان من رحمة الله بعباده ان يكون نظام الحكم مدنيا لادينيا حتى يتجنب الناس شرور الحكومة الدينية واثامها وجبروتها( ويقول كرومر )ان الاسلام ناجح كعقيدة ودين ولكنه فشل كنظام اجتماعى( ويقول هورغورنية فى مؤتمر عقد للمستشرقين فى هولندا )ان سن القوانين من الشريعة الاسلامية غير موافق لانه ينبغى ان نفهم المسلم انه لايقدر ان يعيش معيشة عصرية راقية وهو متمسك بشريعته. وانه يجب ان يعلم ان الشريعة لاتتسع لقبول المدنية الحاضرة( ونحن بدورنا نتسأل ما الحضارة والرقى والمدنية والتقدم التى يريدوننا ان نصل اليها ؟ انها الحضارة الاوروبية والمدنية الاوروبية بحلوها ومرها . ومن الذين نادوا بالاخذ بحضارة الغرب طه حسين كما قال فى كتابه مستقبل الثقافة )واضحة بينة مستقيمة ليس فيها اعوجاج ولا التواء وهى ان نسير سيرة الاوروبين ونسلك طريقهم لنكون لهم اندادا ولنكون لهم شركاء فى الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره ومايحمد منها ومايعاب( فالشريعة الاسلامية تتضمن نظاما سياسيا قائما على اساس الشورى والبيعة . هذا هو المبدأ الكلى العام ويمكن استنباط الكيفية التى تجرى عليها الشورى وتتم بها البيعة وفق تطور الزمن واختلاف الظروف فالحكم الاسلامى ليس حكما ثيوقراطيا الهيا وانما هو حكم بشرى انسانى مستمد من الشريعة الواضحة المبادىء والاهداف المنسجمة مع العقل والمنطق والتقدم العلمى والارتقاء الحضارى . لقد نسى هؤلاء ان الشريعة الاسلامية كانت هى السبب الذى ادى الى رقى الامة وحضارتها وتطورها وتبوئها منصب القيادة بين الامم ثم تأخرت وتحطمت عندما تركت دينها واهملت تطبيق شريعة ربها. لقد سلك اعداء الاسلام جميع السبل والوسائل والطرق لمنع عودة تطبيق الشريعة الاسلامية انهم يقومون بحملة مضللة واسعة اعلاميا فى الجرائد والمجلات ووسائل الاعلام الاخرى واتهام المؤمنين بتطبيق الشريعة بالمزايدة عليها وانهم قلة متطرفة تزايد على الاسلام وقضاياه اخفاء لمطامع سياسية تحت ستار الدعوة الاسلامية واتهامهم بأنهم فئة لاهم لها الا تكفير الناس والمجتمع. لقد زعموا ان الشريعة الاسلامية قد اكل عليها الزمن وشرب وانها لاتصلح للقرن الحالى هذا القرن الذى بلغت فيه البشرية منتهى التطور والمدنية واعلى مستوى من الحضارة والعلم والتقدم . انهم يزعمون ان احكام الشريعة فى مجال الحدود والعقوبات قاسية متوحشة وصوروا المجتمع الذى تسوده الشريعة بأنه مجتمع همجى لايرى فيه الا ايادى تقطع وظهور تجلد ورقابا يطاح بها ودماء تراق تحت وطأة الرجم وكل هذه الاعمال تتصادم مع حقوق الانسان المسكين المفترى عليه. ان تطبيق الشريعة الاسلامية سيؤدى الى المظالم التالية عودة الحكومة الدينية والقضاء على الديمقراطية والتمثيل البرلمانى والانتخابات الحرة والغاء التعددية السياسية وخاصة الاحزاب اللادينية والعلمانية وفرض نظام الحزب الواحد المتمثل بالحزب الذى يدافع فى تطبيق الشريعة الاسلامية وكذلك اضطهاد الاقليات الاخرى غير المسلمة ومصادرة حقوقها والمساس بحقوق الانسان وحرياته وعودة مايسمى بعصر الحريم المتمثل من حرمان المرأة من حقوقها السياسية والى ماهناك من اعذار وحجج لاتعد ولاتحصىسنذكرها هنا ونرد عليها.1- الزعم بان تطبيق الشريعة يهدد الوحدة الوطنية ويهضم حقوق الاقلية وينافى حرية العقيدة.ذلك لانه يوجد فى البلدان الاسلامية اقليات غير اسلامية . ستتضرر مصالحها وعقيدتها الدينية اذا فرضت عليها تطبيق الحدود الاسلامية. ان تطبيق الشريعة الاسلامية واجب الهى وليس بعدل ولا انصاف ان تفرض الاقلية المسيحية حكمها على الاكثرية الاسلامية وبضغوط من قوى اجنبية وخاصة الولايات المتحدة والتى تدعى زورا وبهتانا بانها حامية حقوق الانسان اذا كان الامر يتعلق بالاقليات المسيحية بعدم تطبيق الشريعة لان فعل ذلك هو ترك ديننا واسلامنا . ففى النظم الديمقراطية يعتبر حكم الاكثرية الذى يفوز بالانتخابات عدلا وانصافا فلماذا يختل الميزان عند هؤلاء عندما تكون الاكثرية فى صالح الاسلام. ولم يصبح تطبيق الشريعة الاسلامية فى هذه الحال ظلما وعدوانا للاقلية ؟ ولم ترضى الاقلية بما رضيت به الاكثرية؟ وكيف نتحقق بان الاقليات الغير اسلامية لاترضى بتحكيم شريعة الاسلام؟ الم تعيش الاقليات مئات السنين فى ديار المسلمين بكل حرية واطمئنان وبأمن لم يعهدوه من قبل؟ فلماذا لايقبلون بحكم الاسلام؟ ان دعوى ان الشريعة الاسلامية تنافى حرية الاعتقاد دعوى كاذبة فالاسلام يأبى كل الاباء ادخال الناس فى صفوفه بالاكراه )لااكراه فى الدين( فقد عاش النصارى واليهود فى ديار المسلمين فى حرية تامة من ناحية الحفاظ على عقيدتهم ولم يكرهوه على اعتناق الاسلام بقوة السلاح. والزعم بان القانون الاسلامى سيطبق على غير المسلمين كما يطبق علىالمسلمين غير صحيح وغير وارد فالاسلام لايحرم على النصارى واليهود فى تطبيق شريعتهم الدينية . ويقول عبد القادر عودة فى كتابه الاسلام واوضاعنا القانونية ) ان الشريعة الاسلامية وضعت للمشكلة ابدع حل فانها سوت بين المسلمين والذميين فيما هم فيه متساوون وخالفت بينهم فيما هم فيه مختلفون . ولايختلف الذميون عن المسلمين الا فيما يتعلق بالعقيدة ولذلك كان كل مايتعلق بالعقيدة لامساواة فيه. فالمساواة فى العقيدة تعنى حمل المسلمين على مايتفق مع عقيدتهم وحمل اهل الذمة على مايختلف مع عقيدتهم ومعناه عدم التعرض للمسلمين فيما يعتقدون والتعرض للذميين فيما يعتقدون واكراههم على غير مايدينون ومن هذا الباب تجرى على اهل الذمة احكام دينهم فيما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث الا اذا طلبوا منا ان نحكم بينهم بما انزل الله( وعندما اعلن الرسول قيام دولة المسلمين فى المدينة بعد ان اظهره الله فيها وبدأ بتكوين اول نواة للدولة الاسلامية تضمن الفصل الاول للوثيقة التى عقدها الرسول التى تحكم العلاقات بين افراد هذا المجتمع من المسلمين واليهود وحدد حقوق اليهود وانه عند الاختلاف فيرد الحكم الى الله والى محمد. يقول المؤرخ ارنولد فى كتابه )الدعوة الى الاسلام( مانصه. ولما بلغ الجيش الاسلامى وادى الاردن , وعسكر ابو عبيدة فى فحل كتب الاهالى المسيحيون فى هذه البلاد الى العرب المسلمين يقولون يامعشر المسلمين انتم احب الينا من الروم , وان كان الروم على ديننا , وانتم اوفى وارأف بنا , واكف عن ظلمنا , واحسن ولاية علينا , ولكنهم غلبونا على امرنا ومنازلنا . وغلق اهل مدينة حمص ابواب مدينتهم دون جيش هرقل , وابلغوا المسلمين ان ولايتهم وعدلهم احب اليهم من ظلم الاغريق وتعسفهم . وظهر ان الفكرة التى شاعت بأن السيف كان العامل فى تحويل الناس الى الاسلام بعيدة عن التصديق , فأن الدعوة والاقناع كانا هما الطابعين الرئيسيين لحركة الدعوة هذه , وليس القوة والعنف . بينما كان رجال البمسيحية اشد قسوة وبطشا بالمسلمين , ففى عام 1454 اصدر البابا مرسوما منح فيه هنرى البحار البرتغالى الحق فى القضاء على انتشار الاسلام , ومما جاء فى هذا المرسوم مايلى )من سرورنا العظيم ان نعلم ان ابننا المحبوب هنرى البحار امير البرتغال قد سار فى خطى ابيه الملك جون بوصفه جنديا قديرا من جنود المسيح ليقضى على اعداء الله , واعداء المسيح من المسلمين والكفرة( . وجاء فى النشيد الايطالى المشهور مايلى ) اماه صلى ولاتبكى , بل اضحكى وتأملى , الا تعلمين ان ايطاليا تدعونى , وانا ذاهب الى طرابلس فرحا مسرورا لابذل دمى فى سبيل سحق الامة الملعونة , ولاحارب الديانة الاسلامية , وساقاتل بكل قوتى لمحو القران . ان سألك احد عن عدم حدادك على فأجيبيه انه مات فى محاربة الاسلام( وصدق فيهم قول الله تعالى ) قد بدت البغضاء من افواههم وما تخفى صدورهم اكبر ( ال عمران 118 .2- زعمهم ان الفقه الاسلامى اصابه الجمود الفكرى والتعصب المذهبى واصبح قاصرا عن استيعاب الحياة المتغيرة وتطورات العصر. وهذه من اشد الطعون التى وجهت من قبل اعداء تطبيق الشريعة على انها عقبة فى سبيل التقدم والتطور والرقى وماشابه ذلك من الطعون الاخرى . لقد كانت الشريعة الاسلامية فى القرون الاولى هى الحاكمة وهى شريعة واسعة مرنة تسع الحياة وتتطور الحياة فى ظلها من غير ان تشيخ وتهرم وتذبل ثم جاءت قرون التقليد والجمود جمد فيها كثير من المنتسبين الى الفقه على اقوال ائمتهم فكل فقيه ينتسب الى امام من الائمة الاربعة ويرى ان مذهبه هو الدين الذى لايجوز تجاوزه. وقد ادعى كثير من الفقهاء ان باب الاجتهاد قد اغلق منذ بداية القرن الثالث او الرابع واغرق كثير من الفقهاء فى التقليد والجمود عندما حرموا اتباع غير المذاهب الاربعة. لقد كان التقليد جناية على الشريعة لان مذاهب الفقهاء مهما اتسعت فلا يمكن ان تسع الحياة .لن مذاهب الفقهاء فقه للشريعة ولكن الشريعة تبقى هى النبع الفياض المتدفق الذى لايفيض ماؤه ولايذهب بهاؤه. لقد ضيقت بعض المذاهب التى تبنتها الدولة الاسلامية فى عصورها المتأخرة على الناس وابى علماء المذهب الخروج عن اطار المذهب وكان ذلك من اسباب اتجاه الحكام الى القوانين الوضعية والبعد عن المذاهب الفقهية . وقد قال الشيخ محمد سعيد البانى فى كتابه عمدة التحقيق بهذا الخصوص) والذى زاد فى الطين البلاد بلة جمود المتفقهة من المفتين والمعلمين والواعظين على نصوص كتب متبوعهم المتأخرين بدون تبصر واعمال روية ورجوع الى اصول الشريعة واقوال السلف وجهلهم بمقتضى الزمان والعمران ونفورهم من كل جديد بدون ان يزنوه بميزان الشريعة ومناوأتهم المجددين بدون اصغاء الى براهينهم ومكافحتهم العلوم العقلية والكونية وتحذير الناس من دراستها وتحجيرهم على غيرهم الاستهداء من الكتاب والسنة لزعمهم ان ذلك كله مخالف للدين لجهلهم بحقيقة الدين لان هذه الشريعة الغراء السمحة تسير مع العلم جنبا الى جنب واسعة تسع قواعدها العامة كل جديد من مقتضيات الزمان والعمران لانها محض رحمة وسعادة ( ثم يستمر قائلا) فنجم عن تورعهم هذا هجر الشريعة والاستعانة عنها بالقوانين وتشتت شمل المسلمين اذ صربت الفوضى اطنابها والقى كل واحد حبله على غاربه وخيل الى الجاهلين بالشريعة انها عقبة كؤود فى سبيل الرقى والتجدد والسعادة. كما رسخ فى اذهان الكثير من ابنائها انها غير وافية بمقتضيات هذا الزمان لعدم وقوفهم على قواعدها العامة الواسعة الشاملة لان هؤلاء الجامدين حالوا بتكاثف جمودهم وتلبد غباوتهم بينها وبين من يريد اقتباس انوارها ، والاستضاءة بأشعتها واقتطاف ثمرها ، واستنشاق اريج نورها. فهذه العلل من اكبر اسباب تبلبل المسلمين وتقهقرهم الادبى ، وانحطاطهم المادى ، فيجب التذرع بأقرب الوسائل لاستئصالها لان دواء الشق ان يحاص لاان يترك وشأنه حتى يودى( ان جمود المتفقهة ادى الى اغلاق باب الاجتهاد ، وهذا مما ادى الى هجر الشريعة ، والاستعاضة عنها بالقوانين الوضعية المستمدة اصولها من القوانين الغربية. ان القانون الذى ينبغى ان يسود العالم الاسلامى ، هو الشريعة الاسلامية ، ولايجوز ان تتعصب كل طائفة لمذهب من المذاهب الاربعة ، بل يجب ان يستفاد فى تطبيق الشريعة الاسلامية من مذاهب اهل العلم كلهم لان مذاهبهم هى فقههم وفهمهم لهذه الشريعة. ان المذاهب الاسلامية خاصة الاربعة الشهيرة منها ليست حتمية الاتباع فهى اجتهاد اناس مثلنا يصيبون ويخطئون وان اجتهادتهم خاصة لزمانهم ويمكن ان تختلف من عصر الى عصر ظمن التطورات الحضارية . كما وان اختلاف الفرق الاسلامية انما هو اختلاف فى الجزئيات لافى الكليات فى الفروع لافى الاصول . وان الشريعة الاسلامية تحترم الفكر والعقل وتؤيد اختلاف الرأى ضمن الاحتكام الى القران والسنة وبروح التجرد والايمان فضالة المؤمن البحث عن الحقيقة والدفاع عنها . وان الامة الاسلامية قد ابرزت كثيرا من العلماء محدثين فى الفقه الاسلامى واكبوا حركات التطور الفكرى والاجتماعى والاقتصادى والسياسى فأصبحوا اقدر على استخراج الاحكام الدائمة لزماننا وقد تعمقوا دراسة دينهم مع النظر الواثق فى كافة النظم والنظريات القانونية التى تضمنها الحضارات القدينة . ان الاسلام يتنافى مع التحجر والجمود بل هدفه التطور الفكرى . وهذه المرونة هى التى اغنت الحضارة الفكرية الاسلامية بأفكار الحضارات التى سبقتها وطورتها واصبح من الواجب على كليات الشريعة ان تعيد دورها الحضارى وتغنى بتدريس علوم الاجتهاد لتخريج علماء فى الفقه على مستوى عالى من العلم للفتوى والقضاء والتدريس وهناك بعض المفكرين والعلمانين حاملى لواء الثقافة الغربية ممن يزعمون ان الشريعة قاصرة عن استيعاب الحياة المتغيرة والمتجددة فقد ذكر الدكتور محمد نور فرحات استاذ فلسفة القانون ]ان الشريعة الاسلامية قاصرة عن استيعاب الحياة المتغيرة المتجددة حيث استدل فى ادعاءه على عدم صلاحية الشريعة للتطبيق اعتمادا على اقول ثلاثة ائمة الفقه وهم ابن القيم والشهرستانى وابن عابدين. فقد ذكر ابن القيم بان الشريعة مبناها مصالح العباد وعدم الحجر عليهم فيما لابد لهم منه ولاتتم مصالحهم ولا معايشهم الا به . اما الشهرستانى فانه يقرر ان النصوص متناهية والوقائع غير متناهية ولذا لزم القول بان المتناهى لايحكم غير المتناهى . اما ابن عابدين فهو يرى ان الاحكام تختلف باختلاف الازمان لتغير عرف اهلها بحيث لو بقى الحكم على ماكان علية اولا للزم منه المشقة والضرر بالناس وخالف قواعد الشريعة المبنية على اليسر والتخفيف. ان ادعاء الدكتور فرحات بان الشريعة قاصرة لاتستطيع ان تحيط باحكام الحياة والمستجدات التى تعرض للبشر فى حياتهم لان الحياة دائمة التغير والتبدل والتطور فانه يحاول ان يجد مستندا لدعواه الباطلة من اقوال الائمة الذين لم يتشككوا مطلقا فى كمال وتمام الشريعة الاسلامية وكل من يدعى هذا الادعاء يكون مكذب وغير مصدق لكلام الله الذى انزل الشريعة كاملة لاعيب فيها وصالحة لحكم البشر حتى يوم القيامة. وقد قال الله تعالىـ) اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا( )الحمد لله الذى انزل على عبده الكتب ولم يجعل له عوجا( ان الدكتور فرحات الذى نقل كلام علماء المسلمين لم يطلع بالدقة والموضعية معنى اقوالهم لانهم لم يقصدوا الراى والفهم الذى ذهب اليه هذا الدكتور لانه حمل اقوالهم على غير محمله . فأن قول ابن القيم حول الشريعة مبناها مصالح العباد فهذا لايعنى انها عجزت عن تحقيق هذه المصالح واستيعابها بل ان ابن القيم يهاجم المنتسبين الى الشريعة الذين عجزوا عن استيعاب المصالح التى جاءت بها الشريعة فجعلوا بذلك الشريعة ظالمة مستبدة. اما الشهرستانى فانه يريد من كلامه لان الشريعة محدودة النصوص ويجب فتح باب الاجتهاد لاستنباط الاحكام من النصوص لان الشريعة لم تأت لكل حكم من الاحكام بنص مستقل . اما ابن عابدين فانه يدعو الى عدم الثبات على الاحكام التى بناها العلماء على العرف وهذا لاخلاف فيه.3-زعمهم وادعاؤهم بأن الاسلام خلا من شريعة تحكم وقانون يسود بل ان الله فوض للامة وضع القوانين التى تلائم مصلحة الامة. وان القوانين الوضعية التى كونها الانسان اصبحت موافقة للشريعة الاسلامية. القانون الاسلامىهو الشريعة التى شرعها الله والتى يمثلها مصطلح الفقه الاسلامى الذى ينظم امور الحياة جميعها واضعا لها قوانين تكفل تنظيمها فى السلوك وطريق الهداية والمعاملات التى هى ذات طبيعة قانونية. كل هذه المواضيع التى تطرق اليها الفقه الاسلامى ادى الى عدم التفريق بين الدين والفقه الذى هو متخصص فى علوم القانون الاسلامية لان الاسلام بصفته دينا سماويا وحضارة وعقيدة وثقافة لايمكن الاحاطة به دون معرفة الفقه الاسلامى ومن الطبيعى ان القران هو المصدر الاول للفقه الاسلامى وقوانين الاسلام بيد انه لاينص الا على عدد محددود من القواعد او الحددود . فالسنة النبوية تكمل ماجاء به القران والتى تمثل المصدر الرئيسى الثانى للفقه الاسلامى ومكملة للقران فجميع السنة شرح للقران الذى نص على اطاعة الرسول والالتزام بما جاء منه. وهذا يفسر كون القران والحديث النبوى الشريف وحدة ثنائية كاملة ومصدر رئيسى للقوانين الاسلامية.ان الفقه الاسلامى يرفض القانون الوضعى الذى تقره الصفوة المثقفة من الشعب عن طريق البرلمان على ان يكون بصفته مصدرا من مصادر الفقه الاسلامى بعيدا عن طريق مصادر الفقه الاربعة المستندة الى الوحى والسنة لان القران هو الدستور الاساسى للدولة والمعيار الاعلى الذى تقاس به كل القوانين بما فى ذلك القانون الدستورى فضلا عن ذلك فأنه لم يتح لاى انسان منذ بدء الخليقة ان يخرج علينا بنظام قانونى مقنع عام استقاه او استوحاه من مراقبته الدارية للطبيعة. والحق ان غاية مايتوصل اليه الانسان وحده فى مثل تلك الحالات مجرد اسقاط لتصورات مثالية من الانسان على بيئته بحيث لايبحث عن اساس لصلاحية او كفاءة القانون الا فى العرف او التقليد فى التطابق الاجتماعى . فقد قال الدكتور السنهورى فى رسالته الخلافة ) ان الله هو المتصرف فى السلطة العليا وبعد وفاة الرسول منحنا الله ميزة حق تمثيله فى الارض من حيث ان اجماع ارادتنا تعبر عن ذاته المقدسة وتصبح هذه الارادة قانونا ملزما . فالسيادة فى القانون الاسلامى لله وحده ولكنه يفوضها للامة كل الامة وليس لشخص ولا لاى مجموعة من الناس ايا كانت( واذا كانت هذه الارادة الجماعية )الامة( مخالفة لارادة الله فى اعطاءها الحق فى نسخ احكام الشريعة المنصوص عليها وتعديلها فكيف سيكون الامر حينذاك. فهل هى تعبر عن ذات الله المقدسة وتصبح هذه الارادة قانونا ملزما . قال الاستاذ محمود اللبابيدى )ان القران قد نص على ان الامة وحدها هى مصدر السيادة وليس الله نعم كان الله هو المشرع ابتداء ثم عاد التشريع الى الامة انتهاء لان الله سبحانه رحمة بالناس هو الذى رد هذه السلطة الى الامة حين قال )وامرهم شورى بينهم( اليست هذه الاقاويل والعبارات والتفاسير كفر وضلال مبطن فكيف يفسره الفقهاء بأن حق الله هو حق الجماعة؟ وهل حقا بأن القوانين الوضعية موافقة للشريعة الاسلامية حسب منطقهم وادعاؤهم. ومما يذكر بهذا الصدد ان الخديوى اسماعيل حاكم مصر قام بتطبيق القوانين الغربية وخاصة قانون نابليون فى مصر بعد ان طلب من الشيخ مخلوف المنياوى تطبيق القانون الفرنسى على اساس ان قانون نابليون لم يخرج عن مذهب مالك وانه لايخالف الاحكام الشرعية وانه يمكن تخريج هذه القوانين على احكام الشريعة الاسلامية . وقد اثار صدور هذا القانون ضجة فى صفوف الشعب المصرى وقال الدكتور عبد المنعم الصدة فى اسبوع الفقه الاسلامى الثالث ) تبين لى ان الفقه الاسلامى يجمع كل الاراء والمذاهب التى توجد فى نطاق القانون الوضعى( ثم يستمر قائلا ) ان اكثر من تسعين فى المائة من احكام القانون الوضعى لاتخالف احكام الشريعة لان فى الواقع معظم احكام المعاملات تتفق مع مصالح الناس ومن المعقول جدا ان جميع الاراء الوضعية لابد ان تكون قد وردت فى نطاق الفقه الاسلامى( ونحن نقول لهم ان اكثر مواد ونصوص القانون الوضعى تتناقض مع مبادىء الشريعة الاسلامية وان مايقولوه ليس له من الصحة نصيب ولايمكن التوفيق بين الشريعة والقوانين الوضعية . بينما ان رجال القانون الذين يخرجون متصورين انهم انما يأخذون كل شىء عن الغرب ويجهلون كل شىء عن دينهم وعن شريعتهم فلا يمكن التزاوج بين ماورثناه وبين مقتضبيات العصر الحديث من قوانين وضعية مدنية والتى هى بعيدة كل البعد عن شريعتنا الاسلامية وشريعتنا خالدة على مر الزمن الا ان الفقه الاسلامى يمكن ان يتطور بتطور الازمان ويتطور دون ان يخرج على حدود الشريعة الاسلامية. ويقول الاستاذ الكبير على على منصور )من مزايا الشريعة الاسلامية ان من اهم الانتقادات التى توجه للقوانين الوضعية انها تصب القواعد القانونية فى قوالب جامدة لاتلبث ان يتجاوزها الزمن ولعلاج هذا الامر اقترحوا ان تكون التشريعات الوضعية مقصورة على القواعد العامة ويترك للقضاء التقريع عليها وتقدير العقوبات المناسبة لكل فرع . وهذا العلاج المقترح يشهد للشريعة الاسلامية بالتفوق والمرونة والشمول( فرجال القانون العلمانيون يريدون تطبيق القوانين الوضعية ولكنهم يريدون مسوغا من الفقه الاسلامى يسوغ العمل بهذه القوانين. ان الله قد ترك للناس حرية التجارب واختيار مايناسبهم فى الامور التى تخضع للتجارب وتتطور بتطور الحياة . ان الامور التى تتغير بتغير الزمان والمكان ثم تخضع للتجارب قال فيها الرسول )انتم اعلم بشؤون ديناكم( لهذا فأن المناهج والتشريعات والقوانين التى يصغها البشر لتحكم المجتمعات والحياة الاجتماعية ليست الا اجتهادات تنطوى على نقص كبير وذلك بشهادة هؤلاء . يقول فرانشيسكو فيرارا فى كتابه المبسوط فى القانون المدنى الايطالى )ان كثيرا من قواعد القانون ليست الا قواعد صياغة فنية لاتكترث للاخلاق ولا تحفل بالعدل. ان عدل القانون يكون بالضرورة ناقصا بل قد تكون اجراءاته على درجة معينة من الظلم (. ومن خلال كل هذه المناقشات والافكار نتوصل الى ان المشرعين للقوانين الوضعية هم بالتالى :1- كل من يفصل القوانين الوضعية على الشرع , ويرى ان الشريعة غير صالحة لهذا الزمان .2- كل من يعتقد ان القوانين الوضعية مساوية لحكم الله .3- كل من يعتقد ان شريعة الله افضل , لكنها غير واجبة .4- كل من يحاول ان يجعل القوانين الوضعية مساوية للاحكام الشرعية , وجعلها مصادر وموارد لها .4- زعمهم ان الشريعة الاسلامية مستمدة من القانون الرومانى. كانت قواعد القانون المسيحى الوضعى ممتزجة بالدين ويرجع الفضل الى ارسطو فى الفصل مابين القانون والدين . فقد اعتبر ارسطو القانون نظاما قائما بذاته الى جوار الدين والاخلاق وقد تأثر رجال القانون الرومان بأرائه وصاغوا بناء على ذلك قانونا حكموه فى مجتمعهم. ويقول الفيلسوف توماس هبز فى القرن السابع عشر )اساس القانون الامر والاوامر عامة وخاصة والعامة اما يفرضها الله على الناس وهذا هو القانون الالهى واما ان يفرضها الحاكم السياسى وهذه التى يتكون منها القانون الوضعى( وقد استفادت اوروبا من القانون الرومانى ولكنها فى البداية لم تتبن نظرية ارسطو التى قام عليها الرومان قانونهم فقد كانت الكنيسة هى المهيمنة على رقاب العباد وكانوا يزعمون انهم يحكمون الناس بأسم الدين وان قانونهم سماوى. يقول دريبر فى كتابه النزاع بين العلم والدين )ان المسيحية دين سماوى كاليهودية والاسلام غير انها نزلت عقيدة مكملة لليهودية ومصححة لها كثورة اجتماعية اخلاقية فى مجتمع يهودى فاسد . ولذا جعلت شريعتها الاساسية التوراة مع تعديلات طفيفة نزلت فى الانجيل الكريم ولذا كان المفهوم الطبيعى للمسيحية ان تحكم بشريعة الله المنزلة فى التوراة الاصلية مع مراعاة التعديلات الواردة فى الانجيل غير ان الذى حدث بالفعل لم يكن كذلك فقد انتقلت المسيحية من المجتمع اليهودى الى المجتمع الرومانى وعلى الرغم من النفوذ الضخم الذى مارسته الكنيسة فى اوروبا فى العصور الوسطى لم تكن الشريعة الالهية مطبقة فى غير قانون الاحوال الشخصية وماعدا ذلك يحكمه القانون الرومانى بجاهليته ووثنيته( لقد ظلم رجال الدين النصارى شعوبهم كثيرا ومن هنا ثارت تلك الشعوب على ذلك الظلم الذى كان رجال الدين والحكام يمارسونه بأسم الدين وانتصر الفكر الغربى الذى اتصف بالعلمانية فى ذلك الحين وقام مفكرى الثورة الفرنسية بفصل امور الدين على امور الدنيا ومن هنا وجدت افكار ارسطو ورجال القانون الرومان المجال مجددا ورحبا للعودة الى الحياة الاوروبية من جديد وصارت القوانين الرومانية هى الشريعة الدينية الجديدة فى الغرب واستمر على هذا المنال حتى القرن العشرين حين لم تعد هناك صلة ارتباط وثيق مابين القوانين الغربية بالقانون الرومانى. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هل هناك ارتباط بين القوانين الرومانية والفقه الاسلامى؟. ان الشريعة الاسلامية هى نظام مستقل متفرد بين النظم والشرائع وليس فيها باطل لانها من عند الله وقوانين البشر فيها حق وباطل والقانون الرومانى فيه باطل ولايمكن ان يتوافق مع الشريعة الاسلامية . ومن الخطأ التماس المشابهات والموافقات بين الفقه الاسلامى والنظم الاخرى لان هذه المشابهات جزئية ووضعية ووليدة مصادفات فى الجزئيات لافى التصور العام. فالنظام الاسلامى نظام قائم بذاته مستقل بفكرته متفرد بوسائله( وقد تصدى بعض رجال القانون فى البلدان الاسلامية لفرية تأثر الشريعة بالقانون الرومانى ودللوا على بطلانها . فقد زعم بعضهم ان القانون الرومانى تسرب الى القانون الفارسى والقانون العربى الجاهلى ثم نفذ من خلال ذلك الى الفقه الاسلامى ومنهم من ادعى ان كثرة الترجمات العربية لكتب القانون الرومانى ادى الى تسرب مواد هذا القانون ايضا الى الفقه الاسلامى لقد قالوا كل الاحتمالات الممكنة الا الحقيقة . وهذه الادعاءات الباطلة لاتدل الا على حقد دفين على الشريعة الاسلامية وارادوا من وراء زعمهم هذا تشكيك ابناء المسلمين بدينهم وشريعتهم قال تعالى )ولايزالون يقتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطعوا ( وقد تنبه الى هذه الحقيقة فتزجيرالد حيث ذكر ان سواس باشا العثمانى هو الذى ادعى فرية تأثر الشريعة الاسلامية بالقانون الرومانى وان هذا الرجل كان يكتب لهدف سياسى وهو ان يجعل القانون الغربى مسلما وان القانون الاسلامى كان يستجيب دائما للتأثيرات الغربية. وقد حاول اكثر المستشرقين ابراز الاحكام والمبادىء المتماثلة فى القانون والفقه الاسلامى مما دعا المستشرق الفرنسى بوسكة الى القول )ان النتائج التى وصل اليها الباحثون المختصون حتى الوقت الحاضر تبدو مخيبة للامال جدا( واصبحت هذه النغمة التى يرددها كثير من المستشرقين والباحثين فى الماضى والتى تقول ماالداعى للعودة الى الشريعة الاسلامية وهى مأخوذة من القانون الرومانى ومثلها فى ذلك القانون الفرنسى وغيره . ان ترديدهم هذه المزاعم ويدون اثبات ودليل يقدموه على صحة هذه الادعاءات كذبها كثير من المستشرقين واثبتوا بطلان هذه الفرية , ليس هناك اى افضلية للقوانين الغربية على الشرع الاسلامى , بل على العكس , للشريعة الاسلامية افضلسة كبيرة على القانون الرومانى , والقوانين الوضعية الاخرى . فعلى سبيل المثال ان مبدأ الفصل بين السلطات هو حجر الزاوية فى نظام الحكم الاسلامى سواء من الناحية العلمية او النظرية , ويشير البروفسور ادوارد لامبير الى ان الفصل بين السلطات والسيادة الشعبية التى لم تعرفها اوروبا الا فى العصر الحديث هما من اصول العلم الاسلامى فى الشريعة الاسلامية , قبل ان يعرفها الفقه الاوروبى بعدة قرون , وقد استشهد بكتاب )نظرية التعسف فى استعمال الحق فى الشريعة الاسلامية( للدكتور محمد فتحى . وقد اثبت فيه ان هذه النظرية التى لم تعرف فى القوانين الغربية الا فى العصور الحديثة , وجدت فى الشريعة الاسلامية قبل ذلك بعدة قرون ايضا . . يقول فتزجيرالد استاذ القانون الاسلامى سابقا فى مقال صدر له بعنوان الدين المزعوم للقانون الرومى على القانون الاسلامى )منذ ماكتب السير وليام ماكناتن فى كتابه المبادى والسوابق القضائية فى الفقه المحمدى عام 1817 بل فى الواقع منذ كتب السير وليم جونز فى كتابه المقال فى الرهون والودائع عام 1781 وما كتب حتى يومنا هذا لايزال بريق المشابهة الخادعة بين الشريعة الاسلامية والقانون الرومانى يلفت انظار الباحثين من وقت لاخر ولايستطيع انجليزى اشتغل بالقانون وخاصة اذا كان قد عهد اليه تدريس القانون الاسلامى للطلاب ان يتخلص من الاحساس بان القانون الاسلامى يمكن شرحه وايضاح مفاهيمه فى ضوء الامثلة على نحو ادق انها قورن بالقانون الرومى بدلا من القانون الانجليزى( هؤلاء هم المستشرقون ورجال القانون الذين ينادون باتباع المنهج العلمى فى دراساتهم العلمية انهم يزيفون الحقائق ويلفقون الاباطيل ويقولون الزور . يقول اموس الانجليزى ) من المحتمل او بالاحرى من الضرورى ان لاتكون الاصول المهمة والقواعد العامة من الحقوق الاسلامية شيئا غير حقوق الامبراطورية الشرقية فى لباس غربى( وكتب المستشرق كولدسيهر الذى يدعى اتباع المنهج العلمى فى دراسته للشريعة الاسلامية حيث يقول حول موضوع الفقه الاسلامى فى دائرة المعارف الاسلامية )ان مصادر التشريع الاسلامى لم تنضب بسبب وجود القانون الرومى( ويقول هنرى هيوغ )الفقه الاسلامى فى الاساس ليس الا القانون الرومى بتبديل لايذكر( ولكن كيف دخل القانون الرومانى فى القانون الاسلامى حسب زعم هؤلاء المستشرقين والباحثين الغير منصفين الذين يدعون اتباع المنهج العلمى فى ابحاثهم ؟ عند دراسة وجهة نظرهم هذه فلا يجد الباحث المنصف الا اقوالا متهافتة لاتقوم على اساس واقعى صادق. ويقول اموس الانجليزى )ان المدارس الحقوقية الرومانية والكتب الدارسة لها والمحاكم العدلية التى تطبق هذه القوانين والحكام العدلين والعمال الاداريين انكبوا على دراسة هذه الحقوق كانوا موجودين فى البلدان التى نشأ فيها نظام الفقه الاسلامى بما فيه من الاحكام والافكار الراقية ( اما المحامى الايطالى دومينيكو غاتسيكى فقد زعم )ان القواعد الرومية دخلت فى الاسلام بسهولة فى زى الاحاديث الموضوعة التى نسبت الى محمد ( ويقول المستشرق الهولندى دى بور ) وبعد ان فتح المسلمون بلادا ذات مدنيات قديمة نشأت حاجات لم يكن للاسلام بها عهد وحلت محل شؤون الحياة العربية البسيطة عادات وانظمة لم يرشد الشرع ارشادا دقيقا الى وجه الحق فيها ولم يرد فى السنة بالنص ولا بالتأويل مايبين الطريق الى معالجتها ثم اخذ عدد الوقائع الجزئية يزداد كل يوم وهى وقائع لم ترد فيها نصوص ولم يكن للمسلمين بد من الحكم فيها اما بما يتفق مع العرف واما يما يهديهم اليه ادراكهم لمعنى الخير ولابد ان يكون القانون الرومانى قد ظل زمنا طويلا يؤثر تأثيرا كبيرا فى هذا الاتجاه فى الشام والعراق وهما ولايتان من ولايات الامبراطورية القديمة(. ويمكننا بكل بساطة ووضوح فى الرد على كل هذه المزاعم واثبات بطلان هذه الدعوى فى المقارنة بين القانون الرومانى والفقه الاسلامى.1- اختلاف مصادر التشريع . حيث ان مصدر التشريع الاسلامى هو الوحى الربانى اما القانون الرومانى فمصدره الاول العادات والتقاليد الغربية ثم قنن مفكرى الرومان هذه العادات والتقاليد وكتبوها فى كتبهم القانونية واصبح هذا القانون الرومانى استمرارا للحياة السابقة فى روما ولم يحدث انقلابا فى حياتهم ونظمهم الاجتماعية وافكارهم السياسية . اما الشريعة الاسلامية فأنها احدثت اثرا كبيرا فى حالة العرب فغيرت عقائدهم وافكارهم وتصوراتهم ونظمهم. ان اقوال الفقهاء المجتهدين المسلمين فهى تفسيرات واجتهادات ولايمكن ان ترقى ان تكون تشريعا كالتشريع الالهى بينما نرى ان فقهاء ومفكرى وواضعى القانون الرومانى كان لهم الاثر الاكبر فى تطوير القانون وتغييره على مر الزمان ففى القانون الرومانى نظم لااثر لها فى الفقه الاسلامى مثل نظام السلطة الابوية والسيادة الزوجية ونظام التبنى والوصاية على المراة وكذلك وجود نظم وقواعد وتشريعات فى الفقه الاسلامى لا اصل لها فى القانون الرومانى مثل الوقف والشفعة وموانع الزواج من الرضاع وكذلك نظام الزواج فردى عند الرومان ومتعدد عند المسلمين ونظام الميراث تنال المراة مثل الرجل فى القانون الرومانى بينما فى النظام الاسلامى اقل قليلا من النصف والمراة تملك حق الطلاق فى القانون الرومانى وفى الاسلام الطلاق حق الزوج وحده.ب- زعمهم ان القانون الرومانى تسرب الى التشريع الاسلامى بواسطة الاحاديث الضعيفة زعم باطل يدل على جهل بالاسلام وتشريعه فالاحاديث الضعيفة لايحتج بها وعلماء المسلمين يعلمون الصحيح من الضعيف . لقد ادعى كولد سيهر ان كل الاحاديث من مخترعات الامام البخارى وهذا ادعاء باطل لان الامام البخارى مشهور عنه بالتحرى على صحة الاحاديث وتنقية الصحيح عن الضعيف فى كتابه )الجامع الصحيح(ج- زعمهم ان فقهاء المسلمين اخذوا قانونهم الاسلامى من القانون الرومانى بواسطة الترجمات العربية للقانون الرومانى او بواسطة المسلمين الذين كانوا يعلمون القانون الرومانى دعوى باطلة لانها لا تقوم على وقائع واثباتات وبينة وحتى اكثر الباحثون الغربيون من رجال القانون يؤكدون على هذه النقطة بأنه لم توجد ترجمات للقانون الرومانى فى لغات الشرق عربية او غير عربية لان فقهاء الاسلام كانوا يأنفون من الاخذ والاستشارة والاقتباس من قوانين البشر الوضعية وعندهم كتاب الله القران الكريم وحتى انه اكثر البلدان التى دخلت الاسلام قامت بتغيير كل قوانينها وعاداتها وتقاليدها بما يتفق والشريعة الاسلامية وحتى انه نبغ بينهم كثير من فقهاء وعلماء الشريعة الاسلامية . وثم ان المسلمين يعلمون انه حرم عليهم الاعتماد على مثل هذه القوانين الوضعية وعند كناب الله القران وهذا حكم شرعى لان مصدره الكتاب والسنة. فالشريعة الاسلامية مازالت تلك الشريعة الصالحة لكل وقت وزمان وهى كدستور دولة صالحة لمواجهة متطلبات الحياة العصرية لانها اصلح من القوانين الوضعية فى المبادىء الانسانية والتطبيقات الاخلاقية والحلول الاجتماعية والاقتصادية . وبعد كل هذا هل يرفض العاقل المسلم تطبيق تلك الشريعة الافضل ويطالب بتطبيق القانون الرومانى الانكلوسكسونى فى بلادنا الاسلامية .5-زعمهم بان الشريعة مستمدة اصولها من شريعة اليهود والنصارى. هناك بعض المستشرقين يزعمون بأن الفقه الاسلامى لم يتأثر فقط بالقانون الرومانى بل ان اكثر مواده مقتبسة من الشريعة اليهودية والنصرانية حيث تأثر بالتوراة والانجيل. ويقول المستشرق الفرنسى بوسكة )ان الباحثين استطاعو ان يبينوا فيما يتعلق بالاقتباسات المادية ان هناك تاثيرا من التلمود على الفقه( وكذلك ادعاء الكاتب لامنس بان يهود مدينة يثرب الذين دخلوا دين الاسلام لهم التاثير الكبير والواضح فى الفقه الاسلامى حيث يقول)اننا نعتقد بدخول قسم من هؤلاء الاشقياء فى صفوف الاسلام . ولقد كان لهؤلاء المرتدين ولذريتهم النصيب الرئيسى فى اعداد التشريع الاسلامى وتكوينه حيث لايمكن انكار التاثير التلمودى فيه( وانتهى الى نتيجة مفادها) اخر مااقول هو ان اليهودية لها تاثير عظيم جدا على تكون الاسلام فى عصر محمد وبشكل اجمالى يبدوا لى واضحا تماما ان نقاط التشابه بين اليهودية والاسلام بعدما تطور اكثر لفتا للانتباه من كل وجهات النظر فى نقاط التشابه التى توجد فى الاسلام والمسيحية ولربما امكن بالنسبة لبعض الاعتبارات ان تحدد الاسلام على انه يهودية ذات نزعة عالمية( ويرى المستشرق دارست )ان الفقهاء المسلمين اعتمدوا على القوانين العربية القديمة التى قام بتعديلها وتصحيحها النبى محمد وان هذه تطورت بتاثير اليهودية والنصرانية( ويقول المستشرق كولدتسيهر )ان تبشير النبى العربى ليس الا مزيجا منتخبا من معارف واراء دينية عرفها واستقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهوديى والمسيحية وغيرها التى تأثر بها تاثرا عميقا( كل هؤلاء المستشرقين يعلمون علم اليقين ان النبى محمد كان اميا لايقرأ ولايكتب ولم يمس بيده التوراة ولا الانجيل فكيف عرف علوم السابقين وكون هذه الشريعة السمحاء والتى تخطت بمداها شريعة اليهود والنصارى واصبحت مهيمنه عليهما؟ فكل هذه الاقاويل والادعاءات لايمكن لها الصمود والثبات امام الوقائع الصادقة والبحث العلمى. فكيف يتسنى لمحمد ان ياتى بتشريع يتفق فى قواعده واصوله مع الشرائع السماوية السابقة ويصحح لليهود والنصارى كثيرا من تحريفاتهم واغلاطهم فى كتبهم المقدسة ويذكر كثيرا من الاحكام التى كان يخفيها احبارهم ورهبانهم؟. اليس هذا دليلا كافيا على ان هذا التشريع من عند الله؟6- اتهام الاسلام بالنظام الثيوقراطى . الدولة فى الاسلام ليس فيها نظام ثبوقراطى , وان الحكم فى النظام الثيوقراطى سلطته فيه اما من رجال الدين , واما من الحق الالهى بوصفه ظل الله فى الارض , بينما سلطة الحاكم فى الدولة الاسلامية مستمدة من الناس لامن الله . ويقول السيد قطب بهذا الصدد )مملكة الله فى الارض لاتقوم بأن يتولى الحاكمية فى الارض رجال بأعيانهم , وهم رجال الدين كما كان الامر فى سلطان الكنيسة , ولارجال ينطقون بأسم الالهة , كما كان الحال فيما يعرف بأسم )الثيوقراطية( والحكم الالهة المقدس , ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هى الحاكمية , وان يكون مرد الامر الى الله وفق ماقرره من شريعة مبينة(ويقول الدكتور محمود ابو السعود )لااشارة فى الاسلام للحكم الثيوقراطى , بمعنى لايعطى الاسلام مطلقا لشخص او مجموعة اشخاص احتكار تفسير كلمات الله , وحكم المسلمين ضد ارادتهم الحرة . 7- اتهامهم للاسلام بأهتمامه بالراسمالية لسماحه بالملكية الفردية , وانه كان نظاما اقطاعيا , بتأييده نظام العبودية والجوارى , ومنهم من اتهمه بالاشتراكية او الشيوعية , لموقفه من الفقراء , وردعه لترف الاغنياء واستئثارهم واكتنازهم الاموال . الا ان علماء المسلمين انتقدوا جميع هذه الحجج والاتجاهات وخاصة النظامين الراسمالى والاشتراكى الماركسى المتشدد , لان الاسلام قائم على نظام العدالة الاجتماعية بأعتبارها نموذجا ثالثا مميزا ليس هو بالراسمالى ولا بالاشتراكى الماركسى المتشدد ان اكثر مفكرى العالم يرون ان الاشتراكية المعتدلة الطريق الوحيد للخلاص مما يعانيه الجنس البشرى , من اضطرابات اقتصادية , وشقاء اجتماعى . والدين الاسلامى قد سبق هؤلاء الدعاة بأربعة عشر قرنا من الزمن فى تفكيره الاشتراكى المعتدل , وتطبيق العدالة الاجتماعية . والتفكير الاشتراكى فى الاسلام قام على دعائم وهى :1- تضيق الملكية الفردية للاشباع الضرورة لخير الجماعة , وفى سبيل الصالح العام , وادخالها فى نطاق الملكية الجماعية , وتكون ضرورية لجميع الناس , فأوجب ان تكون ملكيها جماعية , حتى لايستبد بها فرد او افراد , وثم تحريمه لطرائق الكسب غير المشروع , ولامتلاك ماينجم عنها من مال , واباحته مصادرة هذا المال والحاقه بأموال القطاع العام , اى اخراجه من حيز الملكية الفردية الى الملكية الجماعية . وقد حقق الاسلام بذلك وبتفكيره الاشتراكى المعتدل عدة اهداف سامية , فأوصد بذلك اهم الابواب التى تؤدى عادة الى تضخم الثروات فى يد بعض الافراد . وقد حقق الاسلام بتفكيره الاشتراكى هذا غرضا انسانيا هاما , وهو ان تقوم العلاقات الاقتصادية بين الناس على دعائم من التكافل والتراحم والتعاطف والتواصى بالصدق والعدل والاحسان , وحرم الاسلام كذلك استغلال النفوذ والسلطان للحصول على المال , وحرم امتلاك مايأتى عن هذا الطريق , ولو جاء فى صورة هدايا , واجاز لذى الامر مصادرته ووضعه فى بيت المال لانفاقه فى المصالح العامة للمسلمين . فالاسلام هو اول تشريع سن قانون الكسب غير المشروع . واول من طبق هذا المبدأ الجليل النبى محمد )ص( وطبق هذا المبدأ فى نطاق واسع من بعد الرسول عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب فى ايام خلافته . واشتراكية الاسلام تحرم ايضا احتكار الضروريات للتحكم فى اسعارها , وخاصة فى التجارة او الصناعة .2- نزع الملكية الفردية . لقد اباح الاسلام لاولياء الامور بنزع الملكية الفردية وجعلها ملكية جماعية , كما اباح لهم تخصيص الملكية الجماعية , وتغيير الانتفاع بها اذا اقتضى الصالح العام اتخاذ اجراء من هذين الاجراءين .3- تعديل الاوضاع الاقتصادية : فقد اباح الاسلام لاولياء الامور تعديل الاوضاع الاقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية , وتعديل الفروق بين الطبقات وتقريبها بعضها من بعض , لتحقيق التوازن الاقتصادى , والعدل الاجتماعى بين الناس . ومن اجل ذلك قام الصحابى ابو ذر الغفارى رضى الله عنه فى عهد عثمان بن عفان يدعو الاغنياء الى ان ينفقوا فى سبيل الله , والبر والفقراء والمساكين وذوى الحاجة , وينهاهم عن البذخ والاسراف والترف واكتناز الاموال , والترفع على المستضعفين والفقراء من الناس . وقد اخطأ كثير من الباحثين اذ يعدون تعاليم ابى ذر الغفارى , والتعاليم المشابهة لها فى الاسلام من قبل الاتجاهات الشيوعية , لان الشيوعية تعتبر الدين افيون الشعوب , وتعمل على الغاء الملكية الفردية , وجعل الملكيات كلها ملكيات جماعية , وتمهد لذلك بأثارة الصراع بين الطبقات . ومن اجل ذلك , تعتبر دعوة ابى ذر الغفارى من الد خصوم الشيوعية , ولكنه اشتراكى مسلم , لانه استقى نزعته الاشتراكية عن الرسول محمد )ص( .4- تقيد حرية التصرف : وقد قيد الاسلام حق حرية الملكية الفردية , وهو حرية التصرف بقيود لتحقيق الصالح العام دون الاضرار بالاخرين . ولقد ذهب الاسلام هذا السبيل الى حد انه يجيز نزع الملكية من صاحبها اذا اساء استخدام حقه فيها . وقد طبق الرسول محمد هذا المبدأ تطبيقا عمليا على سمرة بن جندب ونخيله التى تقع فى بستان رجل من الانصار ..اما بالنسبة الى الرق والعبودية , فقد جاءت ردود علماء الاسلام جميعها تؤكد ان الاسلام عمل على تصغية العبودية والرق , فقد تم محو الرق , وازالة الاستعباد لكى يتمتع الانسان بحرية الطبيعة التى لايسعد الا فى ظلالها . هذا المبدأ السامى الذى نادى به الاسلام منذ قرابة اربعة عشر قرنا , وهو الحرية وعدم التمييز العنصرى لم تفطن اليه امروبا حتى فى عصرنا الحاضر , عصر النور والعلم والحضارة , وتحرير الشعوب , لقد كانت امريكا الشمالية تخطف الاحرار من ابناء افريقيا وتسترقهم ظلما وعدوانا . بينما فى الاسلام لافرق بين عربى واعجمى الا بالتقوى . كما لايمكن وصف الاسلام بالنظام الاقطاعى , وهو الذى ارسى نظام ارث يفتت الملكيات الكبيرة , لكى يتم توزيعها على المسلمين .ففى بداية الفتوحات الاسلامية , كانت الاراضى المقطعة فى الاسلام هى التى تعتبر ملكا للمسلمين , بحكم الفتح وليس لها مالك يطالب بها , كالاراضى التى تكون لحاكم البلاد , او لمن قتل فى الحرب او هرب . اصطفى عمر بن الخطاب فى العراق اراضى كسرى ومرازبته ومن قتل فى الحرب او لحق بأرض العدو , فمثل هذه الاراضى كانت تصبح ملكا للدولة الاسلامية , وهى التى كان ينطبق عليها الاقطاع , فكان الامام يوزعها لمن يرى ان له بلاء حسنا فى الاسلام ز نظير ضريبة معينة من المال . وهذا العمل من عمر يدل على بعد نظره , وسداد رأيه , حيث ادرك ان استغلال الافراد لهذه الاراضى يكون ازكى نتاجا واجزل فائدة من استغلال الدولة , نظام الاقطاع فى الاسلام وفى عصر عمر يشبه مايسمى فى العصر الحالى )بالومين العقارى( وان مافعله الخليفة عمر من توزيع الاراضى على الافراد , وعدم احتفاظ الدولة بها , هو مايقول به علماء الاقتصاد فى العصور الحديثة ويفضلونه . فهم يشيرون بوجوب تخلى الدولة عن املاكها الخاصة لرعايتها , وتوزيعها على الافراد , لان ذلك يزيد من الدخل القومى .اما فى المجال الاقتصادى فقد اتجه العلماء والمفكرون الاسلاميون فى مستهل القرن الخامس عشر للهجرة ليعطوا الموضوع الاقتصادى اهتماما مركزا , وخاصة مع ازدياد المطالبات فى الاهتمام وضرورة تحديد نظرية اسلامية فى الاقتصاد تتجاوز العموميات بالنسبة الى مسائل النظام الاقتصادى فى الاسلام . ويمكن اعتبار كتاب )اقتصادنا( للامام محمد باقر الصدر من الكتب العلمية المرموقة , لامن جهة الفقه فحسب , وانما ايضا من جهة علم الاقتصاد . فقد اثبت الصدر قدرة عالية فى مناقشة النظريات الاقتصادية فى الرأسمالية والماركسية . واصبحت المسؤولية قائمة الان على عاتق فقهاء الاسلام فى هذا العصر فى تفسير الفقه لمختلف المجالات التى تعنى بالحياة الاقتصادية . وقد كثرت الكتب الاسلامية التى تهتم بموضوع الاقتصاد فى الاسلام .ومن هنا نتوصل الى حقيقة ان الاسلام يحتوى فى تشريعه على جذور التفكير الاشتراكى من خلال ماسنه من نظم تقتضى العدالة الاجتماعية , وكرامة الانسان , والصالح العام , وطبقه ضمن جميع النواحى فيما يتعلق بشؤون الاقتصاد والحقوق العامة , فالشريعة الاسلامية لم تقتصر على تنظيم العلاقة بين الانسان وربه , بل تجاوزته الى تنظيم الاصلاح الاجتماعى والسياسى والاقتصادى , وتقرير المساواة بين طبقات الشعب , ويرفع من مستوى الفقراء الى مصاف الاغنياء , دون ان يهوى بالاغنياء الى الفقر , ويمنع استغلال اصحاب رؤوس الاموال من الربح الفاحش والكسب الغير المشروع , واباح الملكية الفردية , ولم يطلق لها العنان لتعبث فى الارض فسادا .8- قسوة احكام الشريعة الاسلامية فى الحدود : ان احكام الشريعة الاسلامية فى الحدود تمتاز بالقسوة والهمجية فى قطعها ليد السارق , او جلدها للزانى , او قتلها لقاتل النفس بلا حق , فجاءت الردود لتؤكد على عدالة احكام الاسلام القطعية , وحكمة الله البالغة فيما قرر من حدود , لان مشيئة الله عز وجل فيها ردعا للمعتدين , ورحمة بأغلبية الناس . ثم اكدت الردود من جهة اخرى على الضوابط الكثيرة التى وضعها الاسلام فى تطبيق هذه الحدود , وكيف كان استخدامها فى التاريخ الاسلامى , على اضيق نطاق . وقد ساعدت الحدود الشرعية فى الاسلام على توفير امن حقيقى للمجتمع والعئلة والفرد , بينما ادت قوانين العقوبات الغربية الى ازدياد عمليات القتل والسرقة والاغتصاب والاعتداء على حقوق الناس , فأصبح فى الاسلام فى الواجب الاول مراعاة مصالح الناس وامنهم وحياتهم , بمعاقبة المجرمين والقتلة بأشد الاحكام التى تردع فعلا بمرتكب هذه الجرائم من حدوثها . وهناك شروط للتعامل مع الحدود وفق السياسة الشرعية , مع تبيان تلك الضوابط والشروط لتنفيذ الجزاء والعقاب , حتى لايثار حولها شبهات . وقد اوضح الاستاذ محسن المينى خلاصة لموقف السياسة الشرعية بالنسبة الى التعامل مع الحدود فقال )وهكذا تبين ان السياسة الشرعية مجال واسع لتبيان صلاحية التشريع بطريقة علمية . ولكن هذه الاجتهادات يجب ان تظل دائما فى حدود مقاصد الشريعة الاسلامية وقواعدها , ولايجوز بحال تعطيل هذه النصوص , ولا التعسف عليها بتأويلات منحرفة . لذلك نبه علماء الاسلام الى خطورة هذا الباب , والى وجوب التزام العدل فيه , والتوسط وتجنب مسلك الافراط والتفريط( .8- اتهامهم بأنتشار الاسلام بحد السيف: انها تهمة باطلة ويمكن تفنيدها والرد على الافتراءات بروح موضوعية وعلمية وتاريخية ، لان من مبادىء العقيدة الاسلامية وشرائعه واحكامه تمنع منعا باتا فى اجبار الناس بحد السيف على الدخول فيه . فلا اكراه فى الدين . واذا فرضت بهذا الاسلوب فلن يكتب لها لبقاء والنجاح .وان وجد بعض الافراد او الحكام الذين مارسوا هذا الاسلوب فأن سلوكهم وافعالهم لاتمت للاسلام بصلة . والايمان لن يكون الا على اقتناع ، فالاقتناع يمكن بعقيدة ما ان تتسرب الى شفاف القلب ، وان تسكن فيه )وما على الرسول الا البلاغ المبين( النور 52 )انما عليك البلاغ وعلينا الحساب( الرعد 41 فحرية الاعتقاد والايمان اذا شىء مقدس فى الاسلام ، فبالموعضة الحسنة والحجج اقوية فقط يجلب الناس الى الايمان ، وليس عن طريق الاكراه )ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتى هى احسن( النحل 125 . وهكذا ضرب الاسلام المثل الاعلى فى التسامح الدينى ، واصبح من الحقائق التاريخية ، الا انه لم يكافأ سواء من طرف النصرانية ام اليهودية ، اذ شمرت الكنيسة على ساعديها منذ ظهور الاسلام لمحاربته بكل الطرق والسبل وبجمعع الوسائل بالتشويه والافتراء تارة ، وبالحملات الصليبية والعسكرية تارة اخرى . وقد حدث فى المسيحية ايضا التناقض بين تعاليمها ومبادئها التى تدعو الى المحبة والتسامح بين البشر وعدم الاعتداء على الغير ، وبين مافعله بعض اتباعها فى البعض الاخر من قتل وسفك الدماء واضطهاد الاخرين لتبديل دينهم ، لاسيما فى عهد الامبراطور دقلديانوس الذى تولى الحكم فى عام 248 ميلادية ، فكان فى عهده يحرق المسيحيين فى مصر بألقائهم فى النار احياء ، وقد وصل عدد القتلى فى عهده بأكثر من مليون شخص ، اضافة الى المغالاة فى الضرائب التى كانت تفرض على كل شىء حتى على دفن الموتى . وكذلك المذابح التى حدثت للبروتستانت فى اوروبا ، ومالاقاه البروتستانت من قتل وتشريد وحبس فى غياهب السجون من قبل الكاثوليك اثر ظهور المذهب البروتستانتى .وعند عقد مقارنة بين هذا الاضطهاد الدينى الذى وقع على المسيحين من قبل الدولة الرومانية فى مصر ، وبين التسامح الدينى الذى حققته الدولة الاسلامية فى مصر ، وحرية العقيدة الدينية لغير المسلمين ، وتركهم احرارا فى ممارسة شعائرهم الدينية داخل كنائسهم مصداقا لقوله تعالى فى سورة البقرة )لااكراه فى الدين( وتحقيق العدالة والمساواة فى بين المسلمين وغير المسلمين . واثباتا بأن الاسلام لم يقم بحد السيف وينتشر لانه تم تخييير غر المسلمين بين قبول الاسلام او البقاء على دينهم مع دفع الجزية )ضريبة الدفاع عنهم وحمايتهم وتمتعهم بالخدمات( وفق القاعدة الاسلامية لهم ما لنا وعليهم ما علينا . فمن اختار البقاء على دينه فهو حر ، فأين دعوى انتشار الاسلام بالسيف ؟. ثم ان الجزية التى كانت تدفع من قبلهم مقابل حمايتهم والدفاع عنهم بموجب عقود الامان وثم لاعفائهم من الاشتراك فى جيش المسلمين ، ومع ذلك ترك لهم باب الحرية فى التطوع والانضمام الى الجيش الاسلامى برضاه فأنه يعفى من دفع الجزية . وان الجزية كانت تأتى ايضا نظير التمتع بالخدمات العامة التى تقدمها الدولة الاسلامية للمواطنين مسلمين وغير مسلمين ، والتى ينفق عليها من اموال الزكاة التى يدفعها المسلمون بصفتها ركنا من اركان الاسلام ، وهذا الضريبة تمثل الا قدرا ضئيلا متواضعا لو قورنت بالضرائب الباهضة التى كانت تفرضها الدولة الرومانية على المسيحيين ، ولايعفى منها احد ، فى حين ان اكثر من 70% من المسيحيين فى مصر كانوا يعفون من دفع هذه الجزية ، كما جاء ذلك فى دراسة لباحث مسيحى مصرى هو الدكتور نبيل لوقا بباوى تحت عنوان )انتشار الاسلام بحد السيف ، الحقيقة والافتراء( حيث تساءل هذا الكاتب قائلا ) لماذا اذن يغمض بعض المستشرقين عيونهم عن التجاوز الذى حدث فى جانب المسيحية ، بينما يضخمون الذى حدث فى جانب الاسلام ، ويتحدثون عنه ؟ ولماذا الكيل بمكيلين ؟ والوزن بميزانيين ؟ .ثم يدعون ان الاسلام يدعو اتباعه الى التعصب ، والتعصب يدعو الى الارهاب : كيف يتهم الاسلام بالتعصب الدينى بينما نرى ان القرأن الكريم طالب من المؤمنين المسلمين ان يؤمنوا بكل رسل الله وبكل الكتب التى انزلت من عند الله دون تفريق بين احد من هؤلاء الرسل والانبياء وذلك بالنص الصريح فى ختام سورة البقرة )امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين احد من رسله(حتى هذه اللحظة لم يعرف عن اى مسلم واحد -واحد فقط - طعن فى الانبياء السابقين مثل موسى وعيسى عليهما السلام ، بينما نرى ونسمع ماتكتبه اقلام الحاقدين على الاسلام من النصارى واليهود على شخصية نبينا محمد )ص( ! فمن هو المتعصب فى مثل هذه الحالة ؟ واذا كانوا يدعون ان الاسلام يدعو الى التعصب فأين وجدوا ذلك ؟ عليهم ان يقدموا البرهان والدليل فى اى اية فى كتاب الله او حديث لرسول الله يدعو الى التعصب ضد اتباع اى دين سماوى . واذا كان القرأن فى بعض اياته يدعونا الى المعاملة بالمثل ، وهى قاعدة مشروعة يفرضها منطق الحماية للمسلمين من اى عدوان خارجى ، وهى ضرورة للدفاع عن النفس وحماية العقيدة والمجتمع ، فالقرأن يوصى اتباعه ايضا خيرا بأهل الكتاب وان يكونوا رفقاء فى اى حوار معهم فيقول )ولاتجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن( اما الارهاب فله اسباب موضوعية ابرزها احساس الانسانى بالاذلال والقهر وهضم الحقوق والاحباط واليأس النهائى ، مما يولد العنف . وهذا هو اصل البلاء ، ولكل قاعدة استثناءاتها.